فثبت أنّ النظام الاعتباري الظاهري إنما هو متقوم بحقيقة تحته ، وإنما المقصود من هذا بيان أمر آخر وهو أن الاعتبارات الشرعية نظير هذه الاعتبارات العرفية العقلائية أيضا متقومة بحقيقة تحتها ، بيانه : أن الشارع وإن بيّن جميع الأحكام بلسان الاعتبار ، إلا أنّ هناك أمورا حقيقية دعت الشارع إلى اعتبار هذه الاعتبارات ، وتكون في الظاهر بنحو لوحظت فيه النسبة فيما بين هذه الأمور الاعتبارية بأنفسها مع قطع النظر عن تلك الأمور الحقيقية . ولذا نرى أن الأحكام والموضوعات الشرعية بما لها من القيود والشرائط المختلفة لا تكاد تدخل تحت عنوان ضابط بلحاظ مقام الاعتبار فنرى صلاة الصبح ركعتين والظهر أربع وهكذا ، ولذا أيضا نهى الشارع عن العمل بالقياس بل ورد أنّ الدين إذا قيس محق ، وذلك لأنّ القياس إنما هو بلحاظ الاستحسان في مقام الظاهر والاعتبار الذي عرفت أنّ الشارع لم يلاحظها في مقام التشريع ، بل علمت أنّ النسبة إنما لوحظت بين الأحكام وبين تلك الأمور الحقيقية . مثلا الصلاة بما لها من الوجود الواقعي النفس الأمري يتجسّم لصاحبها في القبر في عالم القيامة كما في الأخبار ، وهي تكون بنحو يقتضي أن يؤتى بها في الصبح بركعتين على الفرض وفي الظهر بأربع وهكذا غيرها ، ضرورة أنّه سيأتي أنّ لجميع الإخبارات والأحكام الشرعية مصاديق واقعية تكون اتّصاف الروح بها بما لها من الوجود الواقعي سببا لواجدية الروح لمعرفته تعالى ، فهي الواسطة بين الروح المنغمر في الماديات وبين مقام المعرفة به تعالى ، ولا يكاد يصل الروح إليها إلا بالاتصاف بهذه الواقعيات . ومن المعلوم أيضا أنّه لا طريق إلى الاتصاف بتلك الواقعيات إلا بالعمل على طبق ما قرره الشارع كمّا وكيفا ، ضرورة أنّه هو المولى الحكيم العارف بكيفية السير إلى الله تعالى روحا . والحاصل أنّ من أدرك تلك الواقعيات يعلم بصحة المطابقة وإلا فلا ، فالصلاة