ربما منحه الله تعالى روح الإيمان فيتعلَّم به معارف كثيرة لا يكاد يفهمها غيره ، وهذا نظير ما في حديث مسعدة بن صدقة من قوله عليه السّلام : أو مؤمن امتحن قلبه للإيمان ، وقوله عليه السّلام : " فهو الذي لا يتعلَّق به شيء من بين يديه ولا من خلفه " تعريفا للأجرد ، أي منه ما لا يفهمه غيرهم عليهم السّلام حتى الملائكة المقرّبون لشدّة خفائه وتجرّده عن الماديات ، ولعلَّه لذلك عبّر عنه بالأجرد أي أكثر تجرّدا من كلّ شيء ، ولعلّ المراد منه هو حقيقتهم النورية التي تكون أشدّ اتصالا با لله تعالى . ففي الكافي ، في باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض حديث ، فيه " إنّ روح المؤمن لأشدّ اتّصالا بروح الله من شعاع الشمس بها " وهم عليهم السّلام مصداق له ، وهذا هو مقامهم المحمود الذي لا يلحقه لاحق ، ولا يفوقه فائق ، ولا يطمع في إدراكه طامع ، ولا يفهم معناه أحد ، هذا مع أنّ الاعتبار يقضي بذلك ضرورة أنّه بعد ما كانوا عليهم السّلام أقرب الخلائق إليه تعالى بقول مطلق ، فلا محالة يكون لهم مقام لم يشاركهم فيه أحد ، فحقيقتهم الأصلية هو ذلك القرب الذي فوق كلّ قرب لأحد . وقد يقال : إنّه يراد منه حقيقة التوحيد بما له من المعنى الدقيق ، الذي سيأتي ذكره إن شاء الله ، ضرورة أنه من أخصّ المعارف ، فلا يكاد يصل إليه أفهام ذوي العقول الصائبة فضلا عن الاشتمال عليه حقيقة . وقوله : وهو قول الله : " الله نزّل . . . إلخ " لعلَّه ناظر إلى أصل الحديث بما له من المعنى الجامع لهذه الأقسام ، لا خصوص الأخير منها . وقوله عليه السّلام : " لا يحتمل أحد من الخلائق أمره بكماله حتى يحدّه . . . إلخ " لعلّ التقييد - بكماله - قيد احترازي لإخراج بعض الأفراد منه ، حيث إنّه عليه السّلام قسّم أحاديثهم إلى أربعة ، وكان الذكوان منه مما يفهمه المؤمنون ، بل وكذا المستصعب فإنّه يحتمل لكن يهرب منه أي ينساه أو لا يستقرّ في قلبه ، لعدم طاقته على تحفظَّه بكماله بل يدركه بوجه ، ويحتمل أن يكون لإخراج بعض المراتب العالية ، أي لا يحتمل بكماله هذا الأمر الواحد بأن يكون المحتمل منه بعض المراتب ، ضرورة أنّ