نام کتاب : مجلة تراثنا نویسنده : مؤسسة آل البيت جلد : 5 صفحه : 290
إن فكرة السقيا لم تفارقه ، فكرة أن يستشهد الحسين ( ع ) وهو عطشان ويمنع من قطرة ماء ، فتتسع القطرة إلى السحاب ، وإلى المطر الغزير ينهمر لا على قبر عطاشى كربلاء فحسب ، بل تتسع لتشمل كل أضرحة أجداده الأئمة الأطائب ( ع ) . هذه الكفرة تجدها قوية السيطرة عليه ، حتى لتكون العمود الفقري للقصيدة كلها ، بين رفعة القبور المشبهة بالروابي ، وبين السقي الذي ينهمر عليها من السحاب ومن دموع العيون ، فإن لم يستجب السحاب لملتمس الشاعر فإن السراب سيستحيل ماء يتقطع على تلك القبور : فلو بخل السحاب على ثراها * لذابت فوقها قطع السراب يجب أن ننتبه هنا إلى المقابلة الذكية بين السحاب والسراب ، لا من حيث استحالة السراب إلى سحاب تولها بأهل البيت ( ع ) فحسب ، وإنما أيضا من حيث أن المسافر - آنذاك - بين هذه المشاهد المشرفة يطالع السراب أمامه وهو يطوي الفيافي والقفار فيأخذه الإحساس الرهيق - إن كان من أهله - إلى أمنية مستحيلة ، أن يتحول السراب المشعر بالعطش والموحي به إلى سحاب يبل الثرى ويسقي القبور المطهرة . وتبقى فكره السقيا والظمأ تجول في جنبات مشاعر الشاعر : سقاك ، فكم ظمئت إليك شوقا * على عدواء داري واقترابي فالسحاب يسقي ، والسراب يتقطع سحابا ومطرا عليها ، والشاعر ظمئ إليها شوقا في حالي قربه وبعده ، وانظر إلى لفظة " عدواء " وما فيها من اللآواء إشارة إلى ألم البعد والظمأ لزيادتها ، والغلواء في حبها والتبرك بها . ثم انظر إلى اللفتة الذكية بين بعد الدار واقتراب الشاعر ، فهو لم يقل إنه بعيد عن تلك القبور ، فهو دائما قريب منها ، وداره هي التي تبعد عنها . وأما قربه فيتمثل في زيارته لها ، وفي حمله معه دائما شيئا من ترابها : تجافي يا جنوب الريح عني * وصوني فضل بردك عن جنابي ولا تسري إلي مع الليالي * وما استحقبت من ذاك التراب وذاك التراب أيضا ظمآن ، فالظمأ حس في كل ما يحيط بالشاعر ، ويبلغ الظمأ بالتراب المقدس حد أن يقاد له الماء والسحاب : قليل أن تقاد له الغوادي * وتنحر فيه أعناق السحاب
290
نام کتاب : مجلة تراثنا نویسنده : مؤسسة آل البيت جلد : 5 صفحه : 290