نام کتاب : مجلة تراثنا نویسنده : مؤسسة آل البيت جلد : 5 صفحه : 216
الشريف لا المثقف الصعلوك - وكانت أحاسيسه في دنياه لا تقدر بالأوهام ، وإنما كان ينصب لها دقيق الموازين ، ويسعى في تحقيقها سعي الفحول . كان الشريف في حرب شعواء بين القلب والعقل ، وكان يطمح في أن يجمع لنفسه جميع أقطار المجد ، فيكون من أئمة الفقهاء ، وأقطاب الشعراء ، وأعيان الخلفاء ، وقد ضاعت أمانيه ضياع الزهر في الوادي الجديب ، ولم يبق منها غير الإمامة في الشعر والبيان " [94] . يقول الشريف ، وفي قلبه لوعة ، وعلى شفتيه حرقة : توقعي أن يقال قد ظعنا * ما أنت لي منزلا ولا وطنا يا دار قل الصديق فيك فما * أحس ودا ، ولا أرى سكنا كيف يهاب الحمام منصلت * مذ خاف غدر الزمان ما أمنا ؟ لم يلبث الثوب من توقعه * للأمر إلا وظنه كفنا أعطشه الدهر من مطالبه * فراح يستمطر القنا اللدنا ثم يكبح الشريف جماع قريحته من الاسترسال في نفذ الآهات المحزنة التي ملأت صدره لينفجر عن نفسية عملاقة تربط الحاضر المؤلم بالماضي الشاخص ، فيقول : لي مهجة لا أرى لها عوضا * - غير بلوغ العلا - ولا ثمنا ما ضرنا أننا بلا جدة * والبيت والركن ، والمقام لنا سوف ترى أن نيل آخرنا * من العلا فوق نيل أولنا وأن ما بز من مقادمنا * يخلفه الله في عقائلنا [95] لأبلغ العز ، أو يقال فتى * جنت عليه يد الردى وجنى [96] إن هذه الحرقة التي لفعت أبياته تعبر عن أحاسيس كانت تطغى في نفس الشاعر ، حتى لكأنها ثورة يأس تنخر في أضلاعه ، لكنها تشب دفعة زخما حماسيا يقارع الحنين المتجهم إلى تذكر بالواقع المرتبط ببيته العلوي . وإن هذا الشاعر الطموح حين نحاول أن نتلمس مدارج طموحه ، وهل حقق من
[94] د . زكي مبارك - عبقرية الشريف الرضي : 49 . [95] في يتيمة الدهر : 3 / 144 " أواخرنا " . [96] ديوان الرضي : 2 / 936 .
216
نام کتاب : مجلة تراثنا نویسنده : مؤسسة آل البيت جلد : 5 صفحه : 216