إن الله جلت عظمته خلق العباد بقدرته ، وأفاض عليهم من نور وجوده وفيض علمه وسائر كمالاته ما هو اللائق بحالهم وحسب قابلية المواد القابلة من غير ضنة وبخل ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وفطر النفس على اختلافها في القبول والاستعداد بفطرتين طيبتين لتكونا جناحيها نحو معراجها إلى فاطرها ، لتطير إلى وكرها وتصل إلى ربها حسب معرفتها وعرفانها . الفطرة الأولى : هي العشق للكمال المطلق والجمال المحض ، أعني : النور الذي ليس فيه ظلمة ، والعلم الذي لا يدانيه جهل وريب ، والقدرة التي لا يشوبها عجز ، ومن هو صرف كل جمال وكمال ، فنور قلب عبده بجمال معرفته ، وهو توحيده وكمال تنزيهه حتى يتوجه إلى بارئه القدير ، وخالقه العزيز ، ويصل إلى فنائه ويستشعر بعلو جبروته وملكوته في جميع الآنات والأوقات قام في محراب عبادته ، أو غاروا في عباب عصيانه فهو في جميع الحالات ، شاهد لربه بفطرته ، عارف خالقه بخميرته ، ناظر إلى كبريائه وجلاله بعين ذاته ونور حقيقته ، ولا يتطرق الزوال إلى هذه المعرفة الذاتية الحاصلة له من صقع فيض خالقه . نعم ربما تقع تحت حجاب المعاصي وظلمة الكفر