الظاهرة القرآنية ) - : ( كان حين انزل الله القرآن على نبيه ( ص ) نورا يضئ ظلمات الجاهلية ، ويعكف أهله على بيانه عكوف الوثني للصنم ، ويسجدون لآياته سجدة خاشعة لم يسجدوا مثلها لأوثانهم قط ، فقد كانوا عبدة البيان قبل ان يكونوا عبدة الأوثان ، وقد سمعنا من استخف منهم بأوثانهم ، ولم نسمع قط منهم من استخف ببيانهم ) . هذه صورة الظروف النفسية التي نزل فيها القرآن فكان لاعجازه أن ينفذ إلى الأرواح - بصفة عامة في زمن النزول - على هذه السبيل ، أي بما ركب في الفطرة العربية من ذوق وبيان . ثم تغيرت هذه الظروف مع تطورات التاريخ الاسلامي ، وفاض طوفان العلوم في أواخر عهد بني أمية والعهد العباسي ، فصار ادراك جانب الاعجاز في القرآن بالمعنى الذي حددناه - لغة واصطلاحا - من طريق التذوق العلمي ، أكثر من أن يكون من طريق الذوق الفطري [1] . وهنا تواجهنا مشكلة الاعجاز في صورتها الجديدة بالنسبة لهذا المسلم - أعني بالنسبة لأغلبية المثقفين ثقافة أجنبية ، بل وربما بالنسبة لذوي الثقافة التقليدية في ظروفهم الثقافية والنفسية الخاصة ، فلا بد إذن من إعادة النظر في القضية في نطاق الظروف الجديدة التي يمر بها المسلم اليوم ، مع الضرورات التي يواجهها في مجال العقيدة والروح . وعلى رغم ما يبدو في القضية من تعقد ، بسبب موقفنا التقليدي إزاءها فاني أعتقد أن مفتاحها موجود في قوله تعالى : ( قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن اتبع إلا ما يوحى إلي ) ، فإذا اعتبرنا هذه الآية على أنها حجة يقدمها القرآن للنبي كي يستخدمها في جداله المشركين فلا بد أن نتأمل محتواها المنطقي من ناحيتين : فهي تحمل أولا إشارة خفية إلى أن تكرار الشئ في ظروف معينة يدل على صحته ، أي أن سوابقه في سلسلة معينة تدعم حقيقته ك ( ظاهرة ) بالمعنى الذي يسبغه