وإنّما كانت بيعة أبي بكر عن غير مشورة ، بل وقعت على حين غفلة من الناس ، وخصوصاً أولي الحلّ والعقد منهم ، كما يسمّيهم علماء المسلمين ، إذ كانوا مشغولين بتجهيز الرسول ودفنه ، وقد فوجئ سكان المدينة المنكوبة بموت نبيّهم وحمل الناس على البيعة بعد ذلك قهراً [1] ، كما يشعرنا بذلك تهديدهم بحرق بيت فاطمة ( عليها السلام ) إن لم يخرج المتخلّفون عن البيعة ، فكيف يجوز لنا هذا أن نقول بأنّ البيعة كانت بالمشورة وبالإجماع ، وقد شهد عمر بن الخطاب نفسه بأنّ تلك البيعة كانت فلتة وقى الله المسلمين شرّها ، وقال : فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، أو قال : فمن دعا إلى مثلها فلا بيعة له ولا لمن بايعه [2] . ويقول الإمام علي ( عليه السلام ) في حقها : " أمّا والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير " [3] . ويقول سعد بن عبادة الأنصاري ، الذي هاجم أبا بكر وعمر يوم السقيفة ، وحاول بكُلّ جهوده أن يمنعهم ويبعدهم عن الخلافة ، ولكنّه عجز عن مقاومتهم لأنّه كان مريضاً لا يقدر على الوقوف ، وبعدما بايع الأنصار أبا بكر قال سعد : " والله لا أُبايعكم أبداً حتّى أرميكم بكلّ سهم في كنانتي من نبل ، وأخضب سناني ورمحي ، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي ، ولا والله لو أنّ الجنّ اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتّى أعرض على ربّي " . فكان لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يجتمع بجمعتهم ، ولا يفيض بإفاضتهم ،
[1] تاريخ الخلفاء لابن قتيبة 1 : 18 . [2] صحيح البخاري 4 : 127 . [3] شرح نهج البلاغة لمحمّد عبده 1 : 34 الخطبة الشقشقية .