العودة إلى مدينة قفصة وشاءَ اللهُ سبحانه وتعالى أن أعودَ إلى مدينة قفصة بعد بضعة أشهر من تلك المُحاكمة . وفكّرتُ في السيّد وكيل الجمهورية الرّجل المنصف الذي قرأ كتاب " ثمّ اهتديت " ولم يتأثّر بسياسَة أمن الدّولة وَلا بالوالي وَلا بالمحافظ ، وكان رجُلاً ثِقَةً بأتمّ معنى الكلمة وحكّمَ ضميره وتأثّر فقط بالكتاب عندما قرأه ، ولذلك عندما قابلني قال : أنا أومن بكلّ ما في هذا الكتاب وأصدَر حُكمه بأنّه لا يتعارض مع الدّين ولا مع النِّظام ، وهذا في حدّ ذاته يمثّل شجاعة لا يقوم بها إلاّ الأبطال . لكلّ هذا رأيتُ من واجبي أن أزوره زيارة مجاملة لشكره على موقفه الذي يعجزُ عنه أفذاذ الرجال . واستقبلني عندما عرف بقدومي على باب مكتبه مُرحّباً ومُسلّماً ودار بيننا حديث المودّة والولاء لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، كما ألْفَتني إلى تعصّب بعض أهل العلم الذين لا يقبلون الحقائق إلاّ إذا اتَفقتْ مع ميولهم وأهواءهم ، ثمّ روي إليَّ قصّة علماء قفصة وما وقع له معهم . عندما صدر الحكم من سيادته بأنّ كتاب " ثمّ اهتديتُ " ليس فيه ما يعارض الدّين ولا النّظام . جمع بعض العلماء أنفسهم وجاؤوا لمقابلة السيّد وكيل الجمهورية وكان عَددهم ثمانية ومعهم نسخةً من الحكم . وبعد الترحيب بهم وسُؤالهم عن حاجتهم تكلّم زعيمهم وهو الإمام الذي كان سبباً في كلّ المحاكمة فقال : سيّدي وكيل الجمهورية نحن وبعد إطّلاعنا على الحكم الصّادر من