دخلتُ العاصمة وفيها أهديتُ بعض النّسخ إلى أصدقاء لي ، ثُمّ سافرتُ بعدها إلى مسقط رأسي مدينة قفصة حيث التقيتُ بأهلي وتلامذتي القُدامى ولم يمضِ يومين أو ثلاثة حتّى نفذ نصفها . فكّرتُ في أعدائي التقليديّين أيضاً فأهديتُ كلَّ واحد منهم نسخةً باسمه مع بعض التقريظ إيماناً منّي بقول الله تعالى : ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) [1] . وقلتُ في نفسي : عسى أن يهتدوا إلى الحقّ ويتركوا التعصّب ، أو على الأقل يكفّوا عني أَذاهم . ثُمّ تجوّلتُ في بعض المُدن والقرى المجاورة لنا فأكملتُ البقية ، ولم يبق معي في السّيارة إلاّ ثلاثة أو أربع نسخ أبقيتها على ما يأتي . والذي حدث أنّ الرّئيس زين العابدين أعاد لجامعة الزيتونة عزّها وفتحها بعدما ظلّت مُغلقة طيلة ثلاثين عاماً ، وأرسل بعثات حكوميّة إلى كلّ ولاية لتنْصيبِ المسؤول الذي اختارته لإدارة الفرع الزيتوني ، وكان من سوء حظّي أن الذي أختير في قفصة وجاؤوا يحتفلون بتنصيبه هو أكبر حاقد عليّ وعلى الشّيعة . اغتنم هذا المسكين تلك الفرصة وقدّم للوالي تلك النّسخة التي بعثتها إليه متّهماً إيّايَ بتهم خطيرة ، أعطى السيد الوالي الإذن إلى المحافظ بإيقافي حالاً وجمع كلّ الكتب التي أهديتُها واستدعاء الأشخاص الذين يُوجد عندهم الكتاب للتّحقيق وتحرير محاضر في شأنهم . وبدأ أعوان الشّرطة والأمن يُنفّذُون الأوامر ويبحثون عنّي في كلّ مكان . كنتُ يومها في ضيافة أحد الأصدقاء ، وهو مدير لإدارة كبيرة فجاءني صهري على عجل بسيّارته وأعلمني الخبر ونصحني بالخروج فوراً إلى الحدود