بعد يدعو الربّ بالشمس والقمر ويجاء بهما أسودين مكوّرين قد وقفا في زلازل وبلابل ترعد فرائصهما من هول ذلك اليوم ومخالفة الرحمن فإذا كانا حيال العرش خرّ اللَّه ساجدين فيقولان : إلهنا قد علمت طاعتنا لك ودأبنا في عبادتك وسرعتنا للمضيّ بأمرك أيّام الدنيا فلا تعذّبنا بعبادة المشركين إيّانا ، فقد علمت أنّا لم ندعهم إلى عبادتنا ولم تذهل عن عبادتك فيقول الرّب : صدقتما إنّي قد قضيت على نفسي أن أبدأ وأعيد وإنّي معيدكما إلى ما أبدأتكما منه فارجعا إلى ما خلقتكما منه فيقولان : ربّنا ممّ خلقتنا ؟ فيقول : خلقتكما من نور عرشي فارجعا إليه فتلمع من كلّ واحد منهما برقة يكاد يخطف الأبصار نورا فيختلطان بنور العرش فذلك قوله « 1 » « يبدأ ويعيد » .
فإن قيل : إنّ نور الشمس والقمر يتّصل بنور النبيّ وإنّ نورهما مخلوقان من نوره فكيف يتّصل نورهما بنور العرش ؟
فالجواب أنّ العرش والكرسيّ خلقا من نوره صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ولو كان خلق القمرين من نور العرش فهما أيضا مخلوقان من نور النبيّ في الحقيقة ومتّصل نورهما بنوره صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم فالكلّ نوره .
* ( [ وَأَنْزَلْنا ] ) * النون للعظمة * ( [ مِنَ الْمُعْصِراتِ ] ) * هي السحائب إذا عصرت وشارفت أن تعصرها الرياح فتمطر ولم تعصرها بعد ، والإنزال من المستعدّ لا من المنزل والواقع وإلَّا يلزم تحصيل الحاصل وهمزة فعل « أعصر » للحينونيّة يقال : أحصد الزرع إذا حان له أن يحصد وأعصرت الجارية أي حان لها أن تعصر الطبيعة رحمها فتحيض أو دخلت في عصر شبابها ولو لم تكن همزة أعصر للحينونيّة لكان ينبغي أن يقرء « والمعصرات » بفتح الصاد على المفعول لأنّ الرياح تعصرها ويجوز أن تكون المعصرات الرياح الَّتي حان لها أن تعصر السحاب فتمطر * ( [ ماءً ثَجَّاجاً ] ) * أي منصبّا بكثرة دفاعا من الصبابة ، مدرارا متتابعا يتلو بعضه بعضا يقال : ثجّ الماء أي سال بكثرة :
قال صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « أفضل الحجّ العجّ والثجّ » أي رفع الصوت بالتلبية وصبّ دماء الهدي .