الأحديّة . فمعرفة الذات في الحقيقة كما هو يختصّ به تعالى لا غير ، فقوله « هُوَ اللَّه ُ أَحَدٌ » ثلاثة ألفاظ كلّ واحد منها إشارة إلى مقام السائرين إلى اللَّه .
فالمقام الأوّل مقام المقرّبين وهم الَّذين نظروا إلى ماهيّات الأشياء وحقائقها من حيث هي هي ، فلا جرم ما رأوا شيئا إلَّا ورأوا اللَّه معه ، فالحقّ الثابت الباقي هو الَّذي لذاته يجب وجوده وأمّا ما عداه فممكن ، إذا نظر إليه من حيث هو هو كان معدوما . وكلمة « هو » وإن كانت للإشارة المطلقة مفتقرة في تعيين المراد بها إلى سبق الذكر إلَّا أنّ هؤلاء الطبقة يشيرون بهذه الكلمة به تعالى ولا يفتقرون في تلك الإشارة إلى ما يميّز المراد بها من غيره لأنّ الافتقار إلى المميّز إنّما يحصل حيث وقع الإبهام بأن يتعدّد ما يصلح لأن يشار إليه لأنّهم لا يشاهدون بعين عقولهم إلَّا هو . واعلم أنّه ليس المراد من هذا الكلام أنّهم قائلون بوحدة الوجود ، هذا القول فاسد بل المراد أنّ نظرهم ووجهتهم من غيره تعالى مقطوع وأنّهم منقطعون إليه ولا يعرفون غيره أبدا ، هو هو إله إلَّا هو . فهذه الكلمة كافية لحصول العرفان لهذه الطبقة يعني الأنبياء والأولياء المنصوصة عليهم بنصّ اللَّه .
والمقام الثاني مقام أصحاب اليمين وهو دون المقام الأوّل وذلك لأنّهم شاهدوا بعين عقولهم الحقّ موجودا وشاهدوا الخلق أيضا موجودا بخصلة الكثرة في الموجودات ، فلا جرم لم تكن لفظة « هو » كافية في الإشارة إلى الحقّ بل لا بدّ هناك من مميّز به يتميّز الحقّ من الخلق . فهذه الطبقة مفتقرون إلى أن يقترن لفظة « إليه » بلفظ « هو » فقيل لأجلهم « هو اللَّه » لأنّ لفظ « اللَّه » اسم للموجود الَّذي يفتقر إليه ما عداه فتتميّز به الذات المرادة عمّا عداه .
والمقام الثالث مقام أصحاب الشمال وهم الَّذين يجوّزون أن يكون واجب الوجود أكثر من واحد فقرن لفظة « الأحد » ردّا عليهم ، بل هو اللَّه أحد ، انتهى .
قال الباقر عليه السّلام : في معنى « قُلْ هُوَ اللَّه ُ أَحَدٌ » أظهر يا محمّد ما أنبأناك به بتأليف الحروف الَّتي قرأناها عليك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد ، هو اسم مكنيّ مشار إلى غائب فالهاء تنبيه عن معنى ثابت والواو إشارة إلى الغائب عن الحواسّ كما