كان أرياط عبدك وأنا عبدك فاختلفنا في أمرك وكلّ في طاعتك إلَّا أنّي كنت أقوى على أمر الحبشة وأضبط وأسوس منه وقد حلقت رأسي حين بلغني قسم الملك وبعثت إليك بجراب من تراب أرضي ليضعه الملك تحت قدميه فيبرّ قسمه فيّ فلمّا وصل كتاب أبرهة إلى النجاشيّ لان وسكنت فورته ورضي عنه وكتب إليه أن أثبت على أرض اليمن حتّى يأتيك أمري فأقام أبرهة باليمن .
ثمّ إنّه رأى أنّ الناس يتجهّزون أيّام الموسم إلى مكّة لحجّ بيت اللَّه الحرام فتحرّك منه عرق النصرانيّة والحسد فبنى بصنعاء كنيسة من رخام ملوّن ورصّعها بالجواهر النفيسة وكان ينقل الحجارة الملوّنة النفيسة من قصر بلقيس صاحبة سليمان وجعل فيها صلبانا من الذهب والفضّة ومنابر من عاج والآبنوس وسمّاها القلنس كحمير لارتفاع بنائها وعلوّها ومنها القلانيس لأنّها في أعلى الرأس .
وكتب أبرهة إلى النجاشيّ أيّها الملك إنّي بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها لملك قبلك ولست أرضى حتّى أصرف إليها حاجّ العرب فلمّا تحدّث العرب بكتاب أبرهة وبقصده غضب رجل من بني كنانة حتّى أتى إلى القلنس وكان حينئذ رئيس العرب في مكّة عبد المطَّلب وكان ذلك الكنانيّ اسمه زهير بن بدر أتى إلى القلنس وأقام فيه يوهم أنّه يعتكف فيه ويعبد فأقام فيه أيّاما فلمّا خلا فيها ليلة أحدث فيها وانهزم فانتشر هذا الخبر في الآفاق أنّ رجلا من أهل مكّة حدث في كنيسة الملك فتأثّر لذلك الأمر أبرهة وحلف أن يتوجّة إلى مكّة ويخرب البيت حتّى لا يحجّه أحد بعدها أبدا ويهدمها ، فخرج بالحبشة واغتمّ النجاشيّ لفعل الكنانيّ غاية وعزّاه أبرهة وقال : لا تحزن ننسف أبنيتها ونبيح دماءها وأموالها فخرج أبرهة بجند كثير وجمّ غفير ومعه فيل أبيض اللون وهو فيل النجاشيّ بعثه إليه بسؤاله وكان فيلا لم ير مثله جسما وعظما وكان ذلك الوقت يقاتلون بالفيل كما أنّه قيل : كان في مربط ملك الصين ألف فيل .
وكان دليل أبرهة في الطريق كبير ثقيف رجل يقال له « أبو رغال » مات في الطريق ورجم العرب قبره وصار قبره في الطريق كالجبل من كثرة رمي الحجر على قبره