* ( [ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ] ) * أي علَّم ما علَّم بواسطة القلم فكما علَّم القارئ بواسطة الكتابة والقلم يعلَّمك بدونهما فوصف نفسه تعالى بخلق الإنسان من علق وبأنّه الَّذي علَّمه بالقلم ، والمناسبة بين الأمرين أنّ أوّل أحوال الإنسان كونه علقة وشيئا خسيسا وآخر أمره هو صيرورته عالما وهو مقام شريف وليس هذا الكمال إلَّا من قدرته تعالى شأنه وتنبيه على أنّ العلم أشرف الصفات ويبقى العلم بالخطَّ والقلم وهو نعمة عظيمة ولولا القلم ما استقامت أمور الدّين والدنيا .
قال كعب الأحبار : من وضع الكتاب آدم عليه السّلام قبل موته بثلاثمائة سنة كتب بالعربيّ والسريانيّ كتبها في الطين ثمّ طبخه فاستخرج إدريس ما كتب آدم وهذا هو الأصحّ وأمّا أوّل من كتب الرمل فإدريس عليه السّلام وأوّل من كتب بالفارسية طهمورث ثالث ملوك الفرس وأوّل من اتّخذ القرطاس يوسف عليه السّلام .
قال السيوطيّ : أول ما خلق اللَّه القلم قال له : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، وأوّل ما كتب القلم : أنا التوّاب أتوب على من تاب .
* ( [ عَلَّمَ الإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ] ) * بدل اشتمال من « علَّم بالقلم » وتعيّن للمفعول أي علَّمه به وبدونه من الأمور ما لم يكن يعلمه ولم يخطر بباله .
فإن قلت : فإذا كان القلم والخطَّ من المنن الإلهيّة فما باله صلَّى اللَّه عليه وآله لم يكتب ؟
فالجواب أنّ هذا الأمر مزيد فضل له لا نقيصة لو فرضنا أنّه لم يكتب ، وقد ورد في الحديث بخلافه أنّه صلَّى اللَّه عليه وآله كان يكتب ويعرف سبعين لغة ولو صحّ أنّه لم يكتب ولم يقرء لأنّه لو كتب لقيل : قرء القرآن من صحف الأوّلين ولعلّ المراد من أنّه لم يكتب ولم يقرء أي ما تلمّذ في الدرس والكتابة عند أستاذ وكيف يحتاج إلى الكتابة والدراسة من كان القلم الأعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه بل القلم الأعلى الَّذي هو أوّل موجود يكون روح النبويّ فإنّ اللَّه علَّم القلوب بواسطة ما لم يعلم من العلوم التفصيليّة .
* ( [ كَلَّا إِنَّ الإِنْسانَ لَيَطْغى ] ) * ردع ومنع لمن كفر بنعمة اللَّه وإن لم يذكر ، أو معناه حقّا أنّ الإنسان يتجاوز حدّه ويستكبر على ربّه لأن رأى نفسه مستغنيا