لنزول اللبن وهما سببان لحياة المولود وتمكين مولود عاجز من رضاع أمّه عقيب الولادة قدرة جليّة لكنّه قيل لأمير المؤمنين عليه السّلام : إنّ ناسا يقولون : في الآية إنّهما الثديان فقال : لا ، هما الخير والشر .
فإن قيل : كيف يكون نجد الشرّ مرتفعا كنجد الخير ولا رفعة للشرّ فالجواب أنّهما بأديان وظاهران على أنّ عادة العرب وأهل اللسان في تثنية الأمرين إذا اشتركا على بعض الوجوه فيجري لفظ أحدهما على الآخر كقولهم « القمران » قال الفرزدق :
أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع * ( [ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ] ) * الاقتحام الدخول في أمر شديد ومجاوزته بصعوبة والرمي فيه بنفسه فجاءة بلا رويّة ، والعقبة الطريق الوعر في الجبل أي لم يشكر الإنسان تلك النعم الجليلة بالأعمال الصالحة وعبّر عنها بالعقبة لصعوبة سلوكها وهذا أحد الأقوال فحينئذ « لا » بمعنى « لم » وقيل : الآية على وجه الدعاء عليه أي لا نجا ولا سلم من العقبة ولا جاوزها ، والقول الثالث أنّ المعنى هلَّا اقتحم العقبة وقيل :
هذا مثل ضربه اللَّه لمجاهدة النفس والشيطان فجعل ذلك كتكليف صعود العقبة الشاقّة كأنّه قال : لم لم تحمّل على نفسه المشقّة بإيجاب التكاليف مثل عتق الرقبة والإطعام .
* ( [ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ ] ) * أي أيّ شيء أعلمك يا محمّد ما اقتحام العقبة ثمّ ذكره فقال : * ( [ فَكُّ رَقَبَةٍ ] ) * وهو تخليصها من إسار الرقّ والرقبة اسم العضو المخصوص ويعبّر بها عن الجملة كما يعبّر بالرأس عن المركوب والفكّ ليس تفسيرا لنفس لعقبة بل لا قتحامها لأنّ العقبة عين والفكّ حدث وفعل فلا يكون تفسيرا للآخر الخبر حينئذ يكون عين المبتداء وهو لا يجوز ثمّ فكّ الرقبة قد يكون بأن ينفرد لرجل في عتق الرقبة وقد يكون بعين في تخليص نفس من قود أو غرم وكلَّه يشمل لفكّ دون الإعتاق ، ويجوز أن يكون المراد بفكّ الرقبة أن يفكّ المرء رقبة نفسه من عذاب اللَّه ويتخلَّص بالأعمال الصالحة من النار وهي الحرّيّة . قال رسول اللَّه : « إنّ