بل لا يرى في عمره لذّة في الدنيا وما يحسبه اللذّة فهو دفع ألم فاللذّة من الأكل هي التخلَّص من الجوع وهكذا فليس للإنسان إلَّا الشدّة أو التخلَّص من الشدّة .
وقيل : معنى الآية « خلق الإنسان في كبد » أي قائما مستويا منتصبا وغيره من الحيوان مكبّا يمشي فالكبد المراد منه الاستقامة والاستواء . وفي الآية تسلية لرسول اللَّه بما يقاسي من كفّار قريش وتنبيه على أنّ الإنسان ينبغي له أن يعلم أنّ الدنيا دار كبد ومشقّة والآخرة دار النعمة والراحة فيسعى لآخرته .
* ( [ أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْه ِ أَحَدٌ ] ) * أي أيظنّ هذا الإنسان أن لن يقدر على عقابه إذا عصى اللَّه وركب القبائح ، فبئس الظنّ ذلك أو يحسب هذا المغترّ بما له مثل الوليد بن المغيرة وأمثاله أن لن يقدر عليه أحد بأخذ ماله أولا يحاسب عليه من أين اكتسه وفيما ذا أنفقه قيل : المراد الأشدّ بن كلدة وهو رجل من جمح كان قويّا شديد الخلق بحيث يجلس على أديم عكاظيّ فتجرّه العشرة من تحته فينقطع الأديم ولا يبرح من مكانه .
ثمّ أخبر سبحانه عن مقالة هذا الإنسان * ( [ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً ] ) * أي كثيرا متلبّدا مجموعا من تلبّد الشيء إذا اجتمع يريد كثرة ما أنفقه مفاخرة وسمعة وكان أهل الجاهليّة يسمّون مثل ذلك مكارم . وفي لفظ الإهلاك إشارة إلى أنّه ضائع في الحقيقة إذ لا ينتفع به صاحبه في الآخرة كما قالت عائشة في حقّ عبد اللَّه بن جذعان :
كان في الجاهليّة يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه يا رسول اللَّه ؟ فقال صلَّى اللَّه عليه وآله :
لا ينفعه لأنّه لم يقل يوما : ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين . وقيل : المراد في الآية هو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف وذلك أنّه أذنب ذنبا فاستفتى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله فأمره أن يكفّر فقال : لقد ذهب مالي في الكفّارات والنفقات منذ دخلت في دين محمّد ، عن مقاتل .
* ( [ أَيَحْسَبُ ] ) * ذلك الأحمق * ( [ أَنْ لَمْ يَرَه ُ أَحَدٌ ] ) * فيطالبه من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وكان بعض المشركين يصرفون أموالا في عداوة رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله أي إنّ اللَّه رآه واطَّلع على خبث نيّته وفساد سريرته ومثل هذا الإنفاق رذيلة فكيف يعدّه