عن براءتهم ممّا يعاب وينكر فهو تمديح لهم بصورة الاستثناء على منهاج قول النابغة حيث يقول :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم بهنّ فلول من قراع الكتائب وهذا البيان صفة مدح لا صفة ذمّ لأنّ ما جعله النابغة بصورة العيب هو عين المدح .
* ( [ الَّذِي لَه ُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ ] ) * فوصف سبحانه بهذه الصفات ليعلم أنّه لم يمهل الكفّار لأجل أنّه غير قادر لكنّه أراد أن يبلغ بهؤلاء المؤمنين مبلغا عظيما من الثواب لم يكونوا يبلغونه إلَّا بمثل ذلك التحمّل والصبر ولا اعتراض لأحد عليه في ملكه :
وهيهات هيهات الصفاء لعاشق وجنّة عدن بالمكاره حفّت * ( [ وَاللَّه ُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ] ) * لم يخف عليه فعلهم بالمؤمنين وهو شاهد بأعمالهم ويجازيهم وينتصف للمؤمنين .
* ( [ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ] ) * أي الَّذين أحرقوهم وعذّبوهم بالنار * ( [ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا ] ) * من فعلهم ذلك ومن الشرك الَّذي كانوا عليه * ( [ فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ ] ) * بكفرهم . قال بعض علماء العامّة : إنّ ذلك يدلّ على أنّ توبة القاتل عمدا مقبولة * ( [ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ ] ) * بما أحرقوا المؤمنين ، وفصّل بين عذاب جهنّم وعذاب الحريق مع أنّهما واحد فالمراد أنّ لهم أنواع العذاب في جهنّم سوى الإحراق مثل الزقّوم والغسلين والمقامع وقيل : المراد أنّ لهم عذاب جهنّم في الآخرة ولهم عذاب الحريق في الدنيا وذلك أنّ النار ارتفعت من الأخدود فأحرقتهم كما قال الكلبيّ .
ثمّ ذكر ما أعدّه للمؤمنين فقال : * ( [ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ] ) * وصدّقوا بتوحيد اللَّه * ( [ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ] ) * بسبب إيمانهم وأعمالهم يجازون جنّات جارية فيها الأنهار بمقابلة ما قاسوا من الشدائد والصبر على أذى الكفّار « ذلك » أي حصول الجنّة « الفوز الكبير » الَّذي تصغر عنده الدنيا .