وذلك لأنّه عبد اللَّه تعالى في الجانّ اثنى عشر ألف سنة فلمّا أهلك اللَّه الجانّ ، شكى إلى اللَّه الوحدة ، فعرج به إلى السماء الدنيا فعبد اللَّه تعالى فيها اثنى عشر ألف سنة أخرى في جملة الملائكة ، كما رواه الصدوق في « العلل » و « المجالس » « 1 » بل في « نهج البلاغة » في خطبة علي أمير المؤمنين عليه السّلام أنه عبد اللَّه تعالى سنة آلاف سنة لا يدرى أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة « 2 » .
وإن كان المستفاد من بعض الأخبار أن عبادته في تلك المدة لم تكن للَّه تعالى بل لطلب زخارف الدنيا ، كما قال مولانا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام في جواب الزنديق على ما في « الإحتجاج » : « إنه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام لم يرد بها غير زخرف الدنيا ، والتمكين من النظرة » « 3 » .
وكيف كان فالطريق صعب ذو خطر ، والعدوّ قويّ مترصّد لإيصال الضرر ، وبعد ذلك لا بدّ للعبد من استشعار ضعفه وعجزه عن جلب شيء من المنافع أو دفع شيء من المضارّ إلَّا بحول اللَّه وقوته في المقامات العلمية والعلمية ، وإن كان الأول هو الأصل للثاني ، فالإنسان فيه في غاية العجز ولذا كثيرا ما يهلك من حيث لا يشعر ولا يلتفت ، فيقع في العقائد الباطلة والشبهات والشكوك والوساوس الشيطانية المفضية به إلى إنكار الحق بل الإلحاد والزندقة وهو بزعمه باق على استقامة الفطرة وحسن السليقة ، ولعلّ الجاهل مغرور باستعمال القواعد الميزانية ، مبتهج بإصابته في عقائده ولا يدري أن حال من خالفه في هذه العقيدة أو في سائر العقائد إنما هو كحاله في زعمه في حق نفسه وابتهاجه بإصابته ، ولعل غيره أولى
