وهذا معنى الدعاء المأثور في ليالي شهر رمضان : « اللَّهم برحمتك في الصالحين فأدخلنا ، وفي عليين فارفعنا ، وبكأس من معين من عين سلسبيل فاسقنا . الدعاء .
فإنّ جميع ما ذكره هنا وفي سائر المواضع من شؤون الرحمة ومقتضياتها ومظاهرها ، وكذا قولهم بعد التوسلات والتضرّعات والسؤلات : « برحمتك يا أرحم الراحمين » فإنّه توسل بالرّحمة في طلب النعمة الَّتي هي من مظاهرها وأشعتها وفروعها ، ولذا يحشر المتقون إلى الرحمن وفدا ويساق المجرمون إلى جهنّم وردا ، فإنّ الرحمن هو الظاهر بالرحمة الَّتي مظهرها في القيمة هو الجنّة أعني دار القرب والكرامة والفوز والسلامة الَّتي خلقها اللَّه برحمته كما أنّه من رحمته جعل لكم الليل والنهار ، وغير ذلك ممّا منّ اللَّه على عباده من مقتضيات الرحمة الواسعة ، والمكتوبة المشار إليهما بالكلمتين في البسملة ، و بالرحمتين في الآية ، وبقوله في دعاء السمات : « وبرحمتك الَّتي مننت بها على جميع خلقك » ، فيطلق على النعمة الرحمة قال : * ( هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ) * « 1 » * و ( وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ ) * « 2 » ومنه قولهم بعد التسليم : « ورحمة اللَّه وبركاته » ، ويطلق عليها أثر الرحمة * ( فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّه كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) * « 3 » أي أرض جرز الإمكان بماء رحمة الوجود المشار إليه بقوله : * ( وجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) * « 4 » .
إذ ليس المراد به الماء العنصري الذي هو أحد بسلط الأجسام ، مع أنّه لم يخلق منه إلَّا بعض الأجسام المركّبة ، والالتزام بالتخصيص مع استغراق العموم وقلَّة