في الآيات الكثيرة والأخبار المستفيضة بل المتواترة .
إلَّا أنّ بعض من لم يطَّلع على غرائب أحوالهم قاس حالهم بحالهم ، ولذا قال السيّد المرتضى رضى اللَّه عنه في كتابه « تنزيه الأنبياء » معترضا على نفسه بما حاصله أنّه ما العذر في خروج مولينا سيّد الشهداء روحي له الفداء من مكة بأهله وعياله إلى الكوفة والمستولي عليها أعدائه وكيف خالف ظنّه ظن جميع نصحائه في الخروج ؟
وابن عباس يشير بالعدول عن الخروج ويقطع على العطب فيه ، وابن عمر لمّا ودّعه يقول له : أستودعك من قتيل ، ثمّ كيف لم يبايع يزيد حقنا لدمه ودماء من معه من أهله وشيعته ومواليه ؟ ولم ألق بيده إلى التهلكة ؟ إلى آخر ما ذكره .
ثمّ أجاب بما حاصله أنّ الإمام متى غلب على ظنّه أنّه يصل إلى حقّه والقيام بما فوّض إليه بضرب من الفعل ، وجب عليه ذلك ، وإن كان فيه ضرب من المشقة يتحمّل مثلها ، وسيّدنا أبو عبد اللَّه عليه السّلام لم يسر إلى الكوفة إلَّا بعد توثّق من القوم وعهود وعقود ، وبالجملة أسباب الظفر بالأعداء كانت لائحة ، وإنّ الاتّفاق السّيئ هو الذي عكس الأمر وقلبه حتّى تمّ فيه ما تمّ . . . إلى أن قال :
وليس يمتنع أن يكون عليه السّلام في تلك الحال مجوزا أن يفيء إليه قوم ممّن بايعه وعاهده ، ثم قعد عنه ويحملهم ما يرون من صبره واستسلامه وقلة ناصره على الرجوع إلى الحقّ دينا أو حميّة فقد فعل ذلك تفر منهم حتى قتلوا بين يديه شهداء ومثل هذا يطمع فيه ويتوقّع في أحوال الشدّة .
فأمّا الجمع بين فعله وفعل أخيه الحسن فواضح صحيح ، لأنّ أخاه سلَّم كفّا للفتنة وخوفا على نفسه وأهله وشيعته وإحساسا بالغدر من أصحابه والحسين عليه السّلام لمّا قوي في ظنّه النصرة ممّن كاتبه ووثق له ، ورأى من أسباب قوّة نصّار الحقّ وضعف نصّار الباطل ما وجب معه عليه الطلب والخروج ، فلمّا انعكس ذلك وظهر أمارات الغدر وسوء الاتّفاق رام الرجوع ، والمكافّة والتسليم كما فعل أخوه فمنع
