والنون ، خلقهم اللَّه تعالى نورا فجعلهم محدقين بعرش العظمة والجلالة حتّى منّ اللَّه تعالى علينا بهم فجعلهم في بيوت من أبدانهم الناسوتيّة وهياكلهم البشرية كما قالوا نحن اسرار اللَّه المودعة في الهياكل البشرية فهم من اللَّه والكلّ منهم كما في الخبر وخلق المشيّة بنفسها ثمّ خلق الأشياء بالمشية ، وهم صنائع اللَّه ، والخلق بعد صنائع لهم ، أو صنائعهم على اختلاف الخبر ، فإن الأوّل مروىّ عن مولينا أمير المؤمنين عليه السّلام مذكور في نهج البلاغة « 1 » والثاني عن الحجّة المنتظر عجل اللَّه فرجه كما نقله في الاحتجاج « 2 » .
أشهدهم اللَّه خلق الأشياء ، وأجرى طاعتهم عليها ، فميّتهم إذا مات لم يمت ، بل هم أحياء عند ربّهم يرزقون ، وغائبهم إذا غاب لم يغب ، بل هم للأشياء مشاهدون ، فلا يعزب عنهم شيء في الأرض ولا في السماء بإذن خالقهم وبارئهم .
فلا ينبغي الإصغاء إلى ما يقال : من انّه لا علم لهم بما غاب عنهم وبما استقبل من أحوالهم وأحوال غيرهم نظرا إلى انّه تعالى : * ( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِه أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) * * ( وما كانَ اللَّه لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ولكِنَّ اللَّه يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِه مَنْ يَشاءُ ) * .
إذ مع الغضّ عن الاستثناء في الأوّل والإستدراك في الثاني لا يخفى أنّ علمهم ليس علما بالغيب بل هو تعلَّم من ذي علم كما أجاب به مولينا أمير المؤمنين عليه السّلام من اعترضه بمثل ذلك على ما في نهج البلاغة « 3 » .
على أنّه لا ينكر ولا يدافع علمهم بالكتاب الذي فيه تفصيل كلّ شيء ممّا كان أو يكون إلى يوم القيمة من الأمور التكوينية والتشريعية والجزئيّة والكليّة ، كما
