ولذا حصروا الموجودات في الأشياء المحسوسة بالحواس الظَّاهرية وأنكر كثير من المنتسبين إلى الفلسفة الموجودات الواقعيّة المسمّاة عندهم بالموجود الذّهني ، بل المتكلَّمون كافّة أنكروا بعد الواجب ما سوى المتحيّز والأعراض القائمة به .
قال في المواقف وشرحه : الموجود أي في الخارج ( إذ لا يثبتون الوجود الذّهني ) إمّا لا يكون له أوّل وهو القديم ، أو يكون له أوّل وهو الحادث ، والحادث إمّا متحيّز بالذّات أو حالّ في المتحيّز بالذّات ، أو لا متحيّز ولا حالّ فيه ، فالمتحيّز هو الجوهر ، ونعني به المشار إليه إشارة حسّية بأنّه هنا أو هناك ، والحالّ في المتحيّز هو العرض ، وما ليس متحيّزا ولا حالَّا فيه لم يثبت وجوده عندنا .
ومنهم من قنع بهذا القدر ، ومنهم من جزم بامتناعه لوجهين : أحدهما إنّه لو وجد لشاركه في هذا الوصف الَّذي هو عدم التحيّز وعدم الحلول في المتحيّز ، ولا بدّ من أن يمايزه بغيره فيلزم التركّب في الباري من المشترك والمميّز وهو محال .
والثّاني : أنّ هذا الوصف أخصّ صفات الباري فإنّ من سئل عنه لا يجاب إلَّا به ، ولو شاركه فيه غيره لشاركه أيضا في الحقيقة ، فيلزم إمّا قدم الحادث أو حدوث القديم ، ثمّ أجاب عن الوجهين بجواز الاشتراك في عارض ثبوتي وبالمنع من كونه أخصّ صفاته .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ هذين القسمين من الأيّام أعني الأيّام الرّبوبيّة والأيّام الإلهيّة يمكن أن يكونا إشارتين إلى الوعاء الدّهري والسرمدي وحينئذ فالتّحديد بألف سنة أو بخمسين ألف سنة ليس على وجهه ، بل المراد به مجرّد الإشعار على الكثرة والتقريب على الأفهام كتقريب الكثرة بالسّبعين في قوله : * ( إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّه لَهُمْ ) * « 1 » ، ويمكن أن يكونا إشارتين إلى الزّمان