سواء كان تجرّده عن المادّة بحسب الذّات والفعل كالعقول ، أو بحسب الذّات خاصّة كالنّفوس الَّتي لا يتمّ أفعالها إلَّا بواسطة الأجسام ، على حسب اختلاف مراتبها ودرجاتها في التّعلق والتّجرد والمعاني المعقولة والمهيّات الكليّة والاعداد والنّسب العددية الَّتي بينها كلَّها من حوادث هذا العالم فليس لها حدوث زماني ، لأنّ الزّمان كلَّه في رتبة الدّهر ، كنقطة محدودة والحوادث الدّهرية ليس لها حدود زمانيّة ولذا لا يصحّ أن يقال إنّ زوجيّة الأربع مثلا ، أو سلسلة الأعداد ، أو كون عدد نصف آخر ، وثلث ثالث ، وربع رابع مثلا كم لها من السنين أو متى حدثت ، وأين مكانها وإلى أين تنتقل ، ومتى تفنى ؟
وبالجملة لما كان الزّمان والمكان متساوقين للأجسام فلا يقال شيء منهما على المعاني المعقولة بنفي ولا إثبات .
وتوهّم أنّ هذه المعاني من الأمور الاعتباريّة الَّتي ليس لها وجود متأصّل عينيّ فليست من الموجودات ولا من الحوادث حتّى يقال أن لها ظرفا ووعاء وإن وقتها الدهر .
مدفوع بأنّه إن أريد بكونها من الأمور الاعتبارية فليست من الموجودات المتأصّلة الخارجيّة المتحيّزة الَّتي هي الأجسام أو مع لواحقها وعوارضها فمسلَّم ، لكن التّفريع في غير موضعه ، لعدم انحصار الموجودات فيها ، وإن أريد أنّها ليست موجودة أصلا بل إنّما هي باعتبار المعتبر وفرض الفارض ففيه منع واضح ، كيف ولكلّ من هذه المعاني والنّسب واقع متأصّل قد يطابقه القضيّة وقد يخالفها ، ومن أين يتطرّق الصّدق والكذب في القضايا الَّتي ليست للنّسب الحكميّة الَّتي فيها تحقّق سوى مجرّد الفرض والاعتبار ، وما أشبه هذا التّوهّم بهذيانات أوساخ الفلاسفة وحمقاء المتكلَّمين من العامّة العمياء الَّذين ينكرون نصف العالم بل أكثر وأكثر وأكثر .