بالرّتبة ولا بالأوليّة الدّهريّة والسّرمديّة ، بل أوّلَّية حقّيّة ذاتيّة قيّوميّة ، لا يحيط بها الأفهام ولا يعبّر عنها الكلام ، وأمّا الأوعية الثّلثة الواقعة في حيّز الإمكان فأعلاها السّرمد ، وهو ظرف للمشيّة ليس قبله شيء من الممكنات ولا من الكاينات ، وذلك بالنّسبة إلى المشيّة الإمكانيّة والكونيّة وما لهما من الوعاء فافهم ، وليس للسرمد نهاية في نفسه إلَّا بالنّسبة إلى غيره ، وبه فارق الدّهر والزّمان لانتهائهما إلى الغير ، وأمّا لا تناهيها فلعدم انتهائها إلى شيء وعدم تعلَّقها بشيء فليس لها حدّ تقف عنده ، ألا ترى أنّ كلّ شيء من الأشياء يجوز أن يلبس في إمكانه كلّ صورة من الصّور في السّلسلة الطَّوليّة والعرضيّة بلا نهاية ، فيجوز أن يكون عقلا أو نفسا أو طبيعة أو كلَّيا أو جزئيا وخيرا وشرّا ، وأرضا وسماء وزيدا وعمروا ، وشجرا وحجرا إلى غير ذلك من جزئيّات العالم الَّتي لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها مع قياس كميّاتها وكيفيّاتها وأمكنتها وحدودها وأوضاعها وآجالها المتساوية نسبة كلَّها إليها ، فليس شيء أقرب إليها من شيء ، ولا شيء أبعد منها من شيء ، وإليها الإشارة بقول مولينا الصّادق عليه السّلام في تفسير قوله : * ( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) * « 1 » استوى من كلّ شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء « 2 » .
وفي خبر آخر : استوى من كلّ شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء لم يبعد منه بعيد ولم يقرب منه قريب ، استوى من كلّ شيء « 3 » .
فالآن الواحد من السرمد يطوى المتعدّد مع تباين أمكنتها وأوقاتها وحدودها من دون انثلام وحدته ، ولا طروّ تكثّر في انبساطه لا حقيقة ولا معنى ولا صورة وأوسطها الدّهر ، وهو وعاء وظرف للمجرّدات من المادّة العنصرية والمدّة الزّمانيّة ،