ولذا ورد في الخطبة الأميرية الغديرية : « الحمد للَّه الذي جعل الحمد من غير حاجة منه إلى حامديه ، طريقا من طرق الاعتراف بلاهوتيته وصمدانيته وربانيته وفردانيته ، وسببا إلى المزيد من رحمته ، ومحجة للطالب من فضله ، وكمّن في إبطال اللفظ حقيقة الاعتراف له بأنه المنعم على كل حمد باللفظ ، وإن عظم » « 1 » .
فجعله طريقا من طرق الاعتراف بالألوهية دليل على اختصاصه مطلقا أو على بعض الوجوه به سبحانه .
والمراد بقوله : « وكمن في إبطال اللفظ » الإشارة إلى أنه سبحانه قد أنزل الحقائق الكلية من الخزائن الغيبية إلى العوالم النازلة الناسوتية بكسوة الألفاظ والحروف الصوريّة ، فسهّل بذلك حمده وذكره على قاطبة البريّة .
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا مر أنّ الحمد من الألفاظ الجامدة الموضوعة ، نعم ربّما يقال : إنّه مشتّق من الحمدة ( بالفتحات ) وهي صوت التهاب النار ، حيث إنّ العبد بعد مشاهدة النعماء الغير المتناهية يشتغل في قلبه نيران المحبة ، فيستنير بنور معرفته الجنان وينطبق بحمده اللسان .
وإمّا من الحمادي كحبارى بمعنى الغاية والنهاية ، ومنه الخبر : حماديات النساء غضّ الطرف » « 2 » .
أي غاياتهن ومنتهى ما يحمد منهم غضّ الطرف عمّا حرّم اللَّه ، وذلك أنّ الحمد منتهى مقصد القاصدين ، واجتهاد المجتهدين ، سيّما مع توقفه على معرفة المنعم بالنعمة ، وانبساط يديه بالرحمة .