بعد محو الموهوم ، وصحو المعلوم ، لتنكشف سبحات الجلال من غير إشارة ، إذ مع الإشارة إلى الكشف والمكشوف يكون الحجاب نفس الإشارة ، فافهم الإشارة مع قصور العبارة .
مستتر غير مستور ، فإنّ الاستتار والاحتجاب من المشاعر يكون على وجوه ثلاثة : ضعف الشيء في نفسه ، وحيلولة الحجاب بينه وبين المدرك ، وضعف المدرك وقصوره عن إدراكه والإحاطة عليه ، لاضمحلال نوره ، وتلاشي ظهوره ، بمجرد إشراق شمس وجوده عليه .
بل هاهنا وجه رابع : وذلك أن يكون الشيء في نهاية الاستغراق والشمول وفي غاية الإطلاق والعموم بحيث لا يشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السماوات والأرض ، وقد أحاط بسلطانه وهيمنته وإشراقه وأشعته على جميع الكائنات من الدرة إلى الذرة فصار ظهوره سبب خفائه .
ولا غرو في ذلك ، فإن الأشياء تستبان بأضدادها « 1 » ، وما عمّ وجوده حتى لا ضد له عسر إدراكه ومثاله كما قيل : نور الشمس المشرق على الأرض ، فإنا نعلم أنه عرض من الأعراض يحدث في الأرض ويزول عند غيبة الشمس ، فلو كانت الشمس دائمة الإشراق لا غروب لها لكنا نظن أن لا هيئة في الأجسام إلا ألوانها وهي السواد والبياض وغيرهما ، فإنا لا نشاهد في الأسود إلَّا السواد ، وفي الأبيض إلا البياض وهكذا .
