من العرب ، ولما بعث أسلم البعض من اليهود الذين كانوا يتحدثون عنه كعبد اللَّه ابن سلام وأصحابه ، وأسلم أيضا جماعة من العرب ، وتنكر له سائر اليهود وعتاة قريش . . وهذه الآية تقول للذين كذبوا بمحمد ( ص ) بعد أن سمعوا حديث اليهود عنه ، تقول لهم : كيف كذبتم به ، وقد سمعتم علماء اليهود من قبل يبشرون به ، ويعترفون بأنه مذكور بصفاته في التوراة ؟ أليس في شهادتهم هذه دليل قاطع على صدق محمد ( ص ) ؟ وليس من شك ان هذا دليل كاف واف لمن طلب الحق لوجه الحق ، ولكن العتاة الذين أنكروا نبوة محمد ( ص ) أنكروها خوفا على مصالحهم ، وحرصا على مكانتهم ، ولم ينكروها لضعف الدليل وقصور الحجة : « وما تُغْنِي الآياتُ والنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ » - 101 يونس .
( ولَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ) . انهم لا يؤمنون بالحق وبيناته ، سواء أجاءهم بها عربي أم أعجمي ، لأن الحق والعلم عندهم هو المصلحة ، وما عداها ليس بشيء . . وقد كررنا ذلك فيما تقدم على الرغم من وضوحه وبداهته .
( كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) أي ان المجرمين إذا سمعوا الحق أو القرآن جحدوه وكذبوا به ، وبكلام أوضح ان البذر الصالح إنما يحيا وينمو ويأتي ثمره إذا صادف أرضا طيبة صالحة ، أما إذا صادف أرضا سبخة خبيثة فإن صلاحه لا يجدي نفعا : « والْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ والَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً » - 58 الأعراف . وكذلك الحق يأتي بأطيب الثمار والآثار إذا صادف نفسا زكية نقية ، ولا يثمر شيئا إذا كانت النفس خبيثة مجرمة ، وعلى هذا فمعنى ( كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) ان القرآن لا أثر له في نفوسهم إلا الجحود والتكذيب .
( لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الأَلِيمَ فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) . ضمير لا يؤمنون يعود إلى المجرمين ، وضمير به إلى القرآن ، والمعنى ان المجرمين لا يؤمنون بالحق مهما كانت دلائله إلا إذا رأوا العذاب فجأة ، أما إذا أنذروا به من قبل فيعرضون ويسخرون . . وبداهة ان الخضوع بين يدي العذاب نفاق لا ايمان ، وإكراه لا اختيار ( فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ ) ؟ . استعجلوا العذاب قبل أن