التي يراد معرفتها ، فالمشاهدة والتجربة سبب لمعرفة المادة ، والعقل سبب لمعرفة غيرها . وتكلمنا عن المعرفة وأسبابها في ج 1 ص 43 .
والخلاصة ان من قال : لا أومن باللَّه حتى أراه فقد اعترف بأنه لا يريد ان يؤمن باللَّه ، ولو شهد بوجوده ألف دليل ودليل ، ومعنى هذا انه يقر على نفسه بالجهل والمكابرة ، لأن المفروض ان اللَّه لا يرى بالعين ، وان الطريق إلى معرفة الحقائق لا تنحصر بهذه الرؤية . ان اللَّه يريد من الإنسان ان يبحث ويدقق ويجادل ويناقش ولكن عن علم ووعي ، لا عن جهل وعمى .
( ويَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ) . كل من استطاع ان يموه عليك ، ويخفي حقيقته عنك فهو شيطان ، والشيطان المريد هو الذي تمحضت جميع أقواله وأفعاله للشر والفساد ، وما نفذ هذا الشيطان المريد إلى عقل إنسان وقلبه إلا قاده إلى الضلال والهلاك ، وهذا هو معنى قوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ ويَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ ) . فالضلال وعذاب الحريق لا مفر منه لمن يتبع أهل الضلال والفساد ، وفي طليعة المفسدين المضللين أولئك الذين يحرفون كلام اللَّه عن مواضعه ، ويحللون ويحرمون بأهوائهم وأغراضهم .
3 - ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ) بعد أن أشار سبحانه إلى من يجادل في اللَّه بغير علم ذكر الدليل على إمكان البعث الذي يظنه الجاهل محالا ، وأورد سبحانه هذا الدليل بمثال محسوس ، وهو ان اللَّه خلق الإنسان من تراب مباشرة وبلا واسطة كخلق آدم أبي البشر ، أو بوسائط كخلقنا نحن بني آدم ، فكل واحد منا يتكون من مني ودم ، وهما من الأغذية ، وهي بشتى أنواعها تنتهي إلى الماء والتراب ، فالتراب - إذن - عنصر أساسي في تكوين الإنسان ( ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ) وهي المني لقوله تعالى : « أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى » - 37 القيامة . ( ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ) تتحول النطفة إلى قطعة من دم جامد ( ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ) تتحول العلقة إلى شبه قطعة ممضوغة من اللحم ( مُخَلَّقَةٍ ) أي بعضها تام الخلقة ( وغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) وبعضها الآخر غير تام الخلقة .
( لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) قدرتنا على البعث وغيره ( ونُقِرُّ فِي الأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) وهو الوقت الذي تلد فيه المرأة ( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) واضح ، ( ثُمَّ لِتَبْلُغُوا