بِغَيْرِ عِلْمٍ ولا هُدىً ولا كِتابٍ مُنِيرٍ » .
انه يجهل الطريق إلى العلم باللَّه ، ومع ذلك يجادل فيه ، ويقول فيما يقول : لو كان اللَّه موجودا لرأيناه . . انه يريد بمنطقه هذا أن يفسر غير المادة بالمادة ، وان يرى بالعين والبصر من لا يدرك الا بالعقل والبصيرة ، وان يلمس باليد خالق السماوات والأرض . . ولا فرق بين هذا ، وبين من حاول أن يمتحن في المعمل والمختبر نظرية « البينة على من ادعى واليمين على من أنكر » أو أراد أن يختبر موهبته الشعرية في قيادة السيارة .
تذكرت ، وأنا أكتب هذه الكلمات ساعة من ساعات الدراسة في النجف ، وقد مضى عليها حوالي أربعين عاما ، كنا في هذه الساعة نتحلق حول الأستاذ ، نستمع إلى محاضرته ، وفي أثنائها اعترض عليه أحد التلاميذ ، واستشهد بحادثة لا تمت إلى موضوع الدرس بسبب قريب أو بعيد . . فأعرض الأستاذ عنه ، ونظر إلى بقية التلاميذ ، وقال : كان فيما مضى رجل معتوه يقال له « » . وفي ذات يوم مر بأحد الشوارع ، فرأى جمهورا من الناس مجتمعين ، وهم يموجون في حيرة ، ولما سألهم قال له البعض : ان فلانا سقط عن السطح ، وتحطمت أعضاؤه وقد أوشك على الهلاك ، ولا يدري أهله ما ذا يصنعون ؟ فقال « » : عندي دواؤه ، وعليّ شفاؤه ، اربطوه بالحبل وشدوه إلى السطح ، وأجلسوه عليه كما كان فإنه يشفى لا محالة . . ولما ضحكوا منه احتج عليهم ، وقال : لما ذا تضحكون ؟ في العام الماضي سقط فلان بالبئر ، فربطوه بالحبل وأخرجوه منه سليما . .
وهذا هو بالذات منطق من أنكر وجود اللَّه لأنه ما رآه . . أما الكون العجيب بنظامه وجلاله فقد رآه ، ولكنه لا يدل بزعمه على وجود المكوّن والمنظم . . ونحن نؤمن بالمشاهدة والتجربة ، ولكن نؤمن أيضا بأن هذه التجربة لا تجري على كل نوع من الوجود ، بل تقتصر على النوع المادي منه ، أما النوع الروحي فان لمعرفته سبيلا آخر . . نقول هذا ، ونحن على يقين بأن كلا من الوجود الإنساني والمادي متفاعلان متكاملان ، وانه لا غنى للإنسانية عن المادة ، وان القيم كالحق والخير لا بد ان يكون لها أثر ملموس محسوس ، وإلا كانت ألفاظا بلا معنى . . ولكن هذا لا يستدعي أن يكون سبيل المعرفة واحدا في كل شيء ، بل يختلف باختلاف الأشياء