أَشُدَّكُمْ ) والأشد ان يستكمل الإنسان قواه الجسمية والعقلية ( ومِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى ) قبل بلوغ الأشد ، أو بعده وقبل الهرم وأسوأ العمر : ( ومِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ) . هرم وخرف ، وضعف في الجسم والعقل والذاكرة ، فمن أين يأتي العلم ؟ ومتى ضعف العقل تحكمت العاطفة ، واشتد الانفعال لأتفه الأشياء .
وهذا التحول والتطور في تكوين الإنسان من الأدنى إلى الأعلى ، من التراب إلى النطفة ، ومنها إلى العلقة ، ثم المضغة ثم الطفولة إلى بلوغ الأشد ، ان هذا التطور يدل صراحة على ان في الإنسان طاقة منذ ولادته ، واستعدادا أصيلا يسير به نحو الأكمل والأفضل إذا لم يقف في طريقه من يصده عن السير إلى هذا الهدف الأكمل .
( وتَرَى الأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ ورَبَتْ وأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) . إذا نزل الماء على الأرض الميتة تحركت ونبضت بالحياة وأخرجت أشكالا وألوانا من النبات يسر الناظرين ، ويطيب للآكلين . . وليس من شك ان في الأرض استعدادا لاستقبال الحياة ، ومع هذا لا تحل فيها إلا بإذن اللَّه تعالى ، لأن كل شيء ينتهي إلى أمره وقوله : « كن فيكون » . وقال بعض الصوفية :
المراد بالأرض الميتة النفس الجاهلة ، وبالماء العلم ، وبالزوج البهيج صفات الكمال والجلال .
( ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهً هُوَ الْحَقُّ وأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وأَنَّ اللَّهً يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) . ذلك إشارة إلى الأمر والشأن ، ومعنى اللَّه هو الحق ان الحكم والسلطان له وحده لا شريك له ، وانه لا وجود إلا منه . . ويتفرع على ذلك انه هو المبدئ والمعيد ، وان النشأة الثانية حتم لا مفر منها ، تماما كالنشأة الأولى ، بل ان هذه وسيلة وطريق إلى الثانية التي هي غاية الغايات ، لأنها تعود بالإنسان إلى خالقه ، وتوقفه بين يديه للحساب والجزاء ، ولأنها دائمة باقية ، والنشأة الأولى زائلة فانية ، والفاني وسيلة إلى الباقي . . وبهذا نجد تفسير قوله تعالى : « وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ » - 56 الذاريات أي الا ليعملوا للآخرة .