وهذا أرجح الأقوال بدلالة قوله تعالى : ( فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وعِلْماً ) حيث شهد اللَّه لكل منهما بأنه عالم بالحكم ، وعلى هذا يكون قوله : فهمناها سليمان انه أوحى إليه بنسخ الحكومة دون أبيه .
واختلف الفقهاء هل يضمن صاحب الماشية جنايتها ؟ قال مالك والشافعي :
يضمن ما أفسدته ليلا لا نهارا . وقال أبو حنيفة : لا يضمن إطلاقا لا ليلا ولا نهارا . وقال جماعة من فقهاء الشيعة الإمامية بمقالة مالك والشافعي ، أما المحققون منهم فذهبوا إلى ان المعول على التفريط وعدمه ، ولا أثر لليل والنهار ، فان فرط صاحب الماشية وأهمل رعايتها كما يقتضي ضمن ، وان احترس ولم يهمل فلا شيء عليه .
( وسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ والطَّيْرَ وكُنَّا فاعِلِينَ ) . اشتهر عن داود انه كان ذا صوت رقيق حنون ، وأثبتت التجارب ان كثيرا من الحيوانات والطيور تطرب لنوع من الغناء والموسيقى ، وقرأت في الصحف ان أفعى خرجت من جحرها لتستمع إلى أم كلثوم في إحدى حفلاتها الغنائية ، ولما انتهى الغناء عادت إلى مكمنها ، أما تسبيح الجبال فهو مجاز ومبالغة كما تقول : لقد أضحك أو أبكى الصخر الأصم ، أو انه حقيقة لأن الذي جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم هو الذي جعل الجبال تسبح مع داود . أنظر ما قلناه عند تفسير الآية 69 من هذه السورة .
( وعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ ) . المراد بصنعة اللبوس الدروع ، وتومئ الآية إلى ان أول من اخترعها داود ، وروي في سبب ذلك ان داود كان ملكا على بني إسرائيل ، وكان من عادته أن يطوف متنكرا يتعرف أحوال الناس ، وفي ذات يوم التقى برجل فسأله عن سيرة داود ؟
فقال للملك : نعمت السيرة لو لا انه يأكل من بيت المال . فأقسم داود أن لا يأكل بعد يومه إلا من كدّ يمينه وعرق جبينه ، ولما علم اللَّه منه الإخلاص وصدق النية ألان له الحديد وعلمه صنعة الدروع .
وسواء أصحت الرواية أم لم تصحّ فإنها ترمز إلى وجوب الحرص والمحافظة على مصالح الناس وأموالهم ، وتواتر ان محمدا ( ص ) قبض ودرعه مرهونة في أصوع