تفسيره : « يأجوج هم التتر ، ومأجوج المغول ، وأصلهما من أب واحد يسمى ( ترك ) وتمتد بلادهم من التبت والصين إلى البحر المتجمد ، ومنهم جنكيزخان وهلاكو » . ثم نقل المراغي عن مجلة المقتطف لسنة 1888 ان سد ذي القرنين يقع وراء جيحون في عمالة بلخ ، واسمه الآن باب الحديد ، وهو بمقربة من مدينة ترمذ ، وان العالم الألماني « سيلد برجر » ذكره في رحلته التي كانت في أوائل القرن الخامس عشر ، وأيضا ذكره المؤرخ الاسباني « كلافيجو » في رحلته سنة 1403 .
ومهما يكن فقد طلب القوم من ذي القرنين أن يبني لهم سدا يمنع عنهم يأجوج ومأجوج ، فقد كانوا يغزون أرضهم ، ويسومونهم سوء العذاب قتلا وسبيا ونهبا ، واشترطوا على أنفسهم ان يجعلوا لذي القرنين جعلا في أموالهم إذا هو بنى السد ( قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي ) وأعطاني من السلطان والمال ( خير ) مما آتاكم اللَّه ، فأنتم إلى مالكم أحوج ، فأنفقوه في مصالحكم ( فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ رَدْماً ) : المراد بالقوة هنا العمال وأدوات البناء ، وبالردم السد والحاجز ( آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ) أي قطعا منه ( حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ) . الصدفان جانبا الجبلين لأنهما يتصادفان أي يلتقيان ، وفي الكلام حذف ، وتقديره فأتوه بالحديد ، فوضع بعضه فوق بعض حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما ، ثم آتوه بالوقود ، فأشعل فيه النار ، ووضع المنافخ و ( قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً ) أي نفخوا فصار السد كالنار اشتعالا وتوهجا ، وعندها ( قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ) والقطر هو الصلب المذاب ، فأتوه به فصبه على الحديد المحمي ، فالتصق بعضه ببعض ، وصار جبلا من حديد .
( فَمَا اسْطاعُوا ) الضمير ليأجوج ومأجوج ( أَنْ يَظْهَرُوهُ ) أن يصعدوا من فوقه لارتفاعه وملاسته ( ومَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً ) لصلابته وكثافته ( قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ) . هذا إشارة إلى السد ، وفي قال ضمير يعود إلى ذي القرنين ، وقد حمد اللَّه سبحانه على هذه الرحمة والنعمة التي أتمها على يده . . وهكذا المؤمن المخلص يتواضع للَّه ، ويشكره كلما تتابعت نعم اللَّه عليه .
وبناء هذا السد أصدق مثال على انه قد كان في تاريخ الانسانية تعاون وتعاطف