بالعكس ، وان الحكم فيها هو التوقف عن الحكم إيجابا وسلبا حتى ينكشف الواقع ، وقد تواتر عن الرسول الأعظم ( ص ) انه قال : « حلال بيّن ، وحرام بيّن ، وبينهما أمور مشتبهات ، لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم الحرام ؟ .
فمن تركها استبراء لدينه وعرضه فقد سلم ، ومن واقع شيئا منها يوشك أن يقع في الحرام » . وفي حديث ثان : « الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة » .
وروي ان لقمان الحكيم دخل على داود ، وهو يصنع الدروع ، ولم يكن قد رآها من قبل ، وهمّ أن يسأله ، ثم رأى الصبر أجمل ، ولما فرغ داود لبس الدرع ، وقال : نعم لباس الحرب . ففهم لقمان ان الدرع وقاية من الطعن والضرب ، فقال : الصمت حكمة ، وقليل فاعله . . وقدم العبد الصالح ثلاثة شواهد على هذه الحقيقة ، وهي :
1 - ( فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها ) . سار موسى وصاحبه على ساحل البحر ، ولما وجدا سفينة طلبا من صاحبها أن يحملهما معه ، فاستجاب . .
ولكن ما ان توسطت في لجة البحر حتى خرقها العبد الصالح في مكان يمكن أن يتسرب الماء منه ، ويتعرض من فيها للغرق ، فذعر موسى من هذا المنكر و ( قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ) أي فظيعا ، وأخذ موسى ثوبه وحشا به الخرق على عهدة المفسرين ( قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) .
يذكره بالشرط ، وهو أن لا يسأله عن شيء ، فاعتذر إليه موسى و ( قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ ) لأن النسيان لا يقتضي المؤاخذة ( ولا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً ) لا تضيق عليّ في صحبتي لك .
2 - ( فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ ) . ففزع قلب موسى من القتل و ( قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً ) . ما ذا جنى هذا المسكين ؟ أتقتله متعمدا دون أن يأتي بجناية ؟ ان هذا هو المنكر بعينه . ( قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) . مرة ثانية يذكره بالشرط ، وأيضا مرة ثانية يعتذر موسى ( قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي ) . من قبل اشترط العبد الصالح على موسى أن لا يسأله ، والآن يشترط موسى على نفسه