اتباعك إلا هؤلاء ، فنحّهم عنك حتى نتبعك ، أو اجعل لهم مجلسا ، ولنا مجلسا . .
فنزلت الآية .
ونحن لا نعلم مكان هذه الرواية من الصحة سندا ، ومع هذا نرجحها لأنها مطابقة لمقتضى الحال ، ونعني به طبيعة المترفين ، وخلقهم الذميم ، والاستعلاء على الضعفاء والبؤساء ، وقد نص القرآن على ذلك في الآية 27 من سورة هود :
« وما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا » .
وقبل أن يجيب الرسول ( ص ) عيينة وأمثاله بلا أو بنعم قال له العلي الأعلى :
كن مع المؤمنين المخلصين ، لأنهم معي وأنا معهم ، واصبر نفسك على ما فيهم مما ينفر المترفين لأن صبرك عليهم صبر في اللَّه وعلى طاعة اللَّه . . ألا ترى إلى ايمانهم وإخلاصهم لي ولك في كل شيء طلبا لثوابي ومرضاتي ؟ . أما الكفرة الفجرة الذين أعمت الأهواء قلوبهم ، ولا يعملون إلا بوحي منها ومن مصالحهم ، ويرفضون العيش مع غيرهم بالحق والعدل ، ويأبون إلا الكبرياء والاستعلاء متجاوزين كل حدود اللَّه والانسانية ، أما هؤلاء فلا تصغ إلى قولهم ، فإنه الجهل والغرور والكذب والضلال ، بل عليك أن تجاهدهم ، وتغلظ عليهم بالقول والفعل :
« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ ولْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهً مَعَ الْمُتَّقِينَ » - 123 التوبة .
( وقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ) . قل خطاب لرسول اللَّه ( ص ) . وربكم خطاب للذين أغفل اللَّه قلوبهم ، أو للناس أجمعين ، والمعنى المراد تأكيد لما جاء في الآية السابقة ، وهو قوله تعالى : « واتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ » . ( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) هذا كقوله تعالى : « إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وإِمَّا كَفُوراً » - 3 الدهر . وتدل هذه الآية على ان الإنسان مخير ، لا مسير ، وردّ الرازي على من استدل بها بأن مشيئة الإنسان ليست من صنعه ، بل من صنع اللَّه ، وعليه فالإنسان مسير ، لا مخير .
ونقول في جوابه : ان مشيئة الإنسان وليدة الظروف والأسباب المغرية - مثلا - يرى الرجل المرأة الجميلة فتميل إليها نفسه ، وقد أوجب الدين على الإنسان في مثل هذه الحال أن يكبح شهوته ولا يندفع وراءها ، وليس من شك ان هذا في