أي سبحت أهل المدينة ، وقوله : * ( إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) * معناه أنّه لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ، جازا كم على الاحسان بما تستحقّونه من الثواب ، وعلى الإساءة بما تستحقّونه من العقاب ، فاعملوا عمل من يدري أنّه يجازيه من لا يخفى عليه شيء من عمله ، ففي ذلك دلالة على الوعد والوعيد ، والأمر والزجر ، وإن كان خبراً عن غير ذلك في اللفظ .
قوله تعالى : * ( وقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) * آية بلا خلاف ( 111 ) .
قوله : * ( هُوداً ) * يريد يهوداً فحذف الياء المزادة ووحّد كان ، لأنّ لفظة من قد تكون للواحد وتكون للجماعة ، والعرب تقول : من كان صاحباك ، ولا يجوز الوقف على قوله : * ( وَقَالُوا ) * بل يجب صلته بقوله : * ( لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ) * الآية .
فإن قيل : كيف جمع بين اليهود والنصارى في الحكاية مع افتراق مقالتهما في المعنى ، وكيف يحكي عنهما ما ليس بقول لهما ؟
قلنا : فعل ذلك للايجاز والاختصار وتقديره : قالت اليهود لن يدخل الجنة إلاّ من كان يهودياً ، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلاّ من كان نصرانياً ، فأدرج الخبر عنهما للإيجاز من غير إخلال ، إذ شهرة حالهما تغني عن البيان ، ومثله في الإدراج ، والجمع من غير تفصيل قوله : * ( قُلْنَا اهْبِطُوا ) * [1] وإنّما كانت الصورة إهبط لإبليس ، ثم قيل اهبطا لآدم وحواء ، فحكاه على المعنى وتقدير الكلام .
