قيل : ليس معنى تركها إلاّ أن يترك ، وقد غلط الزجاج في توهمه ذلك ، وإنّما معناه اقرارها ، فلا ترفع .
كما قال ابن عباس : نتركها ، ولا نبدلها وإنّما قال : * ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) * تنبيهاً على أنّه يقدر على آيات وسور مثل القرآن ينسخ بها أمره لنا فيه بما أمرنا ، فيقوم في النفع مقام المنسوخ أو أكثر .
وقال بعضهم : معنى أو في الآية الواو ، كأن قال : ما ننسخ من آية وننساها نأت بخير منها ، فعلى هذا زالت الشبهة .
فإن قيل : أي تعلّق بين هذه الآية وبين التي قبلها ؟
قلنا : لما قال في الآية الأولى : * ( مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) * دلّ في هذه الآية على أنّه جلّ وعزّ ، لا يخلّيهم من إنزال خير إليهم ، خلاف ما يود أعداؤه لهم .
فإن قيل : هل يجوز نسخ القرآن بالسنة أم لا ؟ قلنا : فيه خلاف بين الفقهاء ، ذكرناه في أصول الفقه ، وبين أصحابنا أيضاً فيه خلاف ، إلاّ أنّه يقوى في النفس جواز ذلك .
وقد ذكرنا أدلّة الفريقين ، والشبه فيها في أصول الفقه لا يحتمل ذكرها هذا المكان ، وإنّما اخترنا ذلك لأنّ تلاوة القرآن والعمل بما فيه تابع للمصلحة ، ولا يمتنع أن تتغيّر المصلحة ، تارة في التلاوة فتنسخ ، وتارة في الحكم فينسخ ، وتارة فيهما فينسخان ، وكذلك لا يمتنع أن تكون المصلحة في أن تنسخ ، تارة بقرآن ، وتارة بالسنّة المقطوع بها ، فذلك موقوف على الأدلّة .
