وهذا الوجه أقوى ، وتقديره كأنّ الآية الأولى في الوقت الثاني في الدعاء إلى الطاعة ، والزجر عن المعصية ، مثل الآية الأولى في وقتها ، فيكون اللطف بالثانية كاللطف بالأولى إلاّ أنّه في الوقت الثاني يسهل بها دون الأولى ، وقال أبو عبيدة معنى ننساها أي نمضيها فلا ننسخها ، قال طرفة :
أمون كألواح الاران نسأتها * على لاحب كأنّه ظهر بر جد [1] يعني أمضيتها ومن قرأ * ( نُنسِهَا ) * بضم النون ، وكسر السين يحتمل أمرين :
أحدهما : أن يكون مأخوذاً من النسيان إلاّ أنّه لا يجوز أن يكون ذلك من النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأنّه لا يجوز ذلك من حيث ينفّر عنه ، ويجوز ذلك على الأمة بأن يؤمروا بترك قراءتها ، وينسونها على طول الأيّام ، ويجوز أن ينسيهم الله تعالى ذلك وإن كانوا جمعاً كثيراً ، ويكون ذلك معجزاً بمعنى الترك من قوله : * ( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ) * [2] .
والأوّل عن قتادة ، والثاني عن ابن عباس وقال : معناه نتركها لا نبدّلها ، وقال الزجاج : ننسها بمعنى نتركها خطأ ، إنّما يقال : نسيت بمعنى تركت ، ولا يقال : أنسيت بمعنى تركت ، وإنّما معنى ننساها نتركها ، أي أن نأمركم بتركها .
قال الرماني : إنّما فسّر المفسّرون على ما يؤول إليه المعنى لأنّه إذا أمر بتركها ، فقد تركها .
فإن قيل : إذا كان نسخ الآية رفعها وتركها ، فما معنى ذلك إلاّ أن يترك ، ولم جمع بينهما ؟
