فاختاروا هاروت وماروت ، فاهبطا إلى الأرض ، وركّب فيهما شهوة الطعام والشراب والنكاح ، وأحلّ لهما كلّ شيء بشرط ألا يشركا بالله ، ولا يشربا الخمر ، ولا يزنيا ، ولا يقتلا النفس التي حرّم الله .
فعرضت لهما امرأة للحكومة فمالا إليها ، فقالت لهما : لا أجيبكما حتى تعبدا صنماً ، وتشربا الخمر ، وتقتلا النفس ، فعبدا الصنم وواقعاها ، وقتلا سائلاً مرّ بهما خوفاً أن يشهر أمرهما في حديث طويل ، لا فائدة في ذكره .
قال كعب : فوالله ما أمسيا من يومهما الّذي اهبطا فيه حتى استكملا جميع ما نهيا عنه ، فتعجّبت الملائكة من ذلك ثم لم يقدر هاروت وماروت على الصّعود إلى السماء وكانا يعلمان الناس السحر ، ومن قال بعصمة الملائكة ، لم يجز هذا الوجه ، وقال قوم من أهل التأويل : انّ ذلك على عهد إدريس .
وقوله : * ( فَيَتَعَلَّمُونَ ) * قال قوم : معنى تعلم واعلم واحد ، كما جاء علمت ، وأعلمت ، وفهمت ، وافهمت . كما قال كعب بن زهير :
تعلم رسول الله إنّك مدركي * * وان وعيداً منك كالأخذ باليد [1] وقال القطامي :
تعلّم أن بعد الغي رشداً * * وان لهذه الغير انقشاعا ومنهم من قال : تعلم بمنزلة تسبب إلى ما به تعلم من النظر في الأدلّة ، وليس في اعلم ذلك ، لأنّه قد ينبئهم على ما يعلمه بالتأمّل له ، كقوله : اعلم أنّ
