وقال بعضهم : هو الإخبار عمّا غمض ممّا في كتب الله السالفة من التوراة ، والإنجيل ، وغيرهما .
وقال ابن عباس : انّ ابن صوريا الفطراني قال لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا محمّد ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك لها ، فأنزل الله في ذلك : * ( وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاّ الْفَاسِقُونَ ) * .
فإن قال بعض اليهود : أنتم مقرّون بآياتنا ونحن نجحد بآياتكم ، فحجّتنا لازمة لكم لأنّها مردودة إلى ما تعرفونه ؟ قيل لهم : فيجب على هذا ألاّ يكون لكم حجة على الدهرية والبراهمة والثنوية ، لأنّهم لا يعترفون بآياتكم .
وإنّما قال : * ( وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاّ الْفَاسِقُونَ ) * ولم يقل الكافرون ، وإن كان الكفر أعظم من الفسق ، لأحد أمرين :
الأوّل : انّه عنى الخارجين عن أديانهم ، وإن أظهروا أنّهم يتمسّكون بها ، لأنّ اليهود قد خرجت بالكفر بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من شريعة موسى ، والفسق هو الخروج عن أمر الله إلى ما يعظم من معصيته .
والثاني : انّه أراد الفاسقين المتمرّدين في كفرهم ، لأنّ الفسق لا يكون إلاّ أعظم الكبائر فإن كان في الكفر ، فهو أعظم الكفر ، وإن كان فيما دون الكفر ، فهو أعظم المعاصي ، هذا يجيئ على مذهب الحسن ، لأن ذكر أنّ الفاسقين : عني به جميع من كفر بها ، وقد يدخل في هذا الكلام أحد أمرين : أحدهما : لقوم يتوقعون الخبر أو لقرب الماضي من الحال ، تقول : قد ركب الأمير ، وجاء زيد ، وقد عزم على الخروج ، أي عازماً عليه ، وهي ها هنا مع لام القسم على هذا تقديره قوم يتوقّعون الخبر ، لأنّ الكلام إذا أُخرج ذلك المخرج كان أوكد وأبلغ ، والآية هي العلامة التي فيها عبرة ، وقيل : العلامة هي الحجة ، والبينة الدلالة الفاصلة بين القضية
