أخبر الله تعالى عن هؤلاء الذين قيل لهم : * ( تَمَنَّوا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) * بأنّهم لا يتمنّون ذلك أبداً .
وقد بيّنا أنّ في ذلك دلالة على صدق النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من حيث تضمّنت أنّهم لا يتمنّون ذلك في المستقبل ، وكان كما قال .
وقوله : * ( أَبَداً ) * نصب على الظرف أي لم يتمنّوه أبداً طول عمرهم ، كقول القائل : لا أكلّمك أبداً ، وإنّما يريد ما عشت .
وقوله : * ( بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) * معناه بالذي قدّمت أيديهم ، ويحتمل أن يكون المراد بتقدمة أيديهم ، فتكون ( ما ) مع ما بعدها بمنزلة المصدر .
وقوله : * ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) * إنّما خص الظالمين بذلك - وإن كان عالماً بغيرهم لأنّ الغرض بذلك الزجر - كأنّه قال : عليم بمجازاة الظالمين ، كما يقول القائل لغيره مهدداً له : انا عالم بك بصير بما تعمله ، وقيل : انّه عليم بأنّهم لا يتمنّونه أبداً حرصاً على الحياة ، لأنّ كثيراً منهم يعلم أنّه مبطل ، وهم المعاندون منهم الذين يكتمون الحقّ وهم يعلمون .
قوله تعالى : * ( ولَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ ومِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ واللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ ) * آية بلا خلاف ( 96 ) .
قال ابن عباس ، وأبو العالية ، ومجاهد ، والربيع : انّ المعني بقوله : ( أحرص الناس على حياة ) اليهود ، وأحرص من الذين أشركوا وهم المجوس ، وهم الذين يود أحدهم لو يعمّر ألف سنة ، وما هو بمزحزحه ، لأنّه إذا دعا بعضهم لبعض يقول لهم : هزار سال بده أي عشرة آلاف سنة ، واليهود أحرص على الحياة منهم .
