صدقه ، لأنّه أخبر بشيء قبل كونه ، فكان كما أخبر ، لأنّه لا خلاف أنّهم لم يتمنّوا .
وقيل : انّهم ما تمنّوا ، لأنّهم علموا أنّهم لو تمنّوا الموت لماتوا - كما قاله - فلذلك لم يتمنّوه ، وهذا قول ابن عباس ، وقال غيره : إنّ الله صرفهم عن إظهار التمنّي ، ليجعل ذلك آية لنبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
أمّا التمنّي فهو قول لما كان : ليته لم يكن ، ولما لم يكن ليته كان ، وقال قوم : هو معنى في القلب ، غير أنّه لا خلاف أنّه ليس من قبل الشهوة ، فمن قال من المفسّرين أنّه أراد فتشهوا ، فقد أخطأ .
وقد روي عن ابن عباس أنّه قال : فاسألوا الموت ، وهذا بعيد ، لأنّ التمنّي بمعنى السؤال لا يعرف في اللغة .
فإن قيل : من أين أنّهم ما تمنّوه بقلوبهم عند من قال انّه معنى في القلب ؟
قلنا : لو تمنّوه بقلوبهم لأظهروه بألسنتهم حرصاً منهم على تكذيبه في إخباره ، وجهداً في إطفاء أمره .
وهذه القصة شبيهة بقصة المباهلة ، وانّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لمّا دعا النصارى إلى المباهلة امتنعوا لقلّة ثقتهم بما هم عليه ، وخوفهم من صدق النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ومعنى * ( خَالِصَةً ) * : صافية ، يقال خلص لي هذا الأمر أي صار لي وحدي ، وصفا لي يخلص خلوصاً وخالصة ، والخالصة مصدر كالعاقبة ، يقال للرجل : هذا خلصاني أي خالصتي من دون أصحابي .
قوله تعالى : * ( ولَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) * آية بلا خلاف ( 95 ) .
