الذين رفع عليهم الطور بأعيانهم ، لكنهم كانوا على منهاجهم وسبيلهم ، فأمّا أولئك بأعيانهم ، فإنّهم آمنوا إمّا طوعاً وإمّا كرهاً ، والمعنى في الباء المتصلة بالكفر : أنّهم كفروا بالله بما أشربوا من محبة العجل ، وليس المعنى أنّهم في ذلك أشربوا حبّ العجل جزاءً على كفرهم ، لأنّ محبة العجل كفر قبيح ، والله لا يفعل الكفر في العبد ، لا ابتداء ولا مجازاة .
قوله تعالى : * ( قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآْخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) * آية واحدة بلا خلاف ( 94 ) .
هذه الآية ممّا احتج الله بتأويلها لنبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره ، وفضح بها أحبارهم وعلماءهم ، لأنّه دعاهم إلى قضية عادلة بينه وبينهم ، كما كان من الخلف الواقع بينهم فقال لفريق من اليهود : إن كنتم صادقين انّ الجنة خالصة لكم دون الناس كلّهم ، أو دون محمّد وأصحابه الذين آمنوا به فتمنّوا الموت ، لأنّ من اعتقد أنّه من أهل الجنة قطعاً ، كان الموت أحبّ إليه من حياة الدنيا التي فيها النغص ، وأنواع الآلام ، والمشاق ، ومفارقتها إلى نعيم خالص يتخلّص به من أذى الدنيا .
وقوله : * ( فَتَمَنَّوا الْمَوْتَ ) * - وإن كان صورته صورة الأمر - المراد به التوبيخ ، والزام الحجة .
وروي عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال : لو أنّ اليهود تمنّوا الموت لماتوا ، ولرأوا مقاعدهم من النار ، فقال الله تعالى لهم : * ( وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) * تحقيقاً لكذبهم ، فقطع على أنّهم لا يظهرون التمنّي وفي ذلك أعظم الدلالة على
