مبعوث - مرتدين على أعقابهم حين بعثه الله نبيّاً - بغضب من الله استحقوه منه بكفرهم به وجحدهم بنبوته ، وانكارهم إياه .
وقال السدي : الغضب الأوّل حين عبدوا العجل ، والثاني حين كفروا بمحمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وقال عطا وغيره : الغضب الأوّل : حين غيّروا التوراة قبل مبعث محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والغضب الثاني : حين كفروا بمحمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقال عكرمة والحسن : الأوّل حين كفروا بعيسى ( عليه السلام ) ، والثاني : حين كفروا بمحمّد . . وقد بيّنا أنّ الغضب من الله هو إرادة العقاب بهم .
وقوله : * ( وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ) * معناه للجاحدين بنبوة محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عذاب مهين من الله إمّا في الدنيا ، وإمّا في الآخرة ، و * ( مُهِينٌ ) * هو المذلّ لصاحبه المخزي لملبسه هواناً وذلة .
وقيل : ( المهين ) هو الّذي لا ينتقل منه إلى اعتزاز وإكرام ، وقد يكون غير مهين إذا كان تمحيصاً وتكفيراً ينتقل بعده إلى اعتزاز وتعظيم ، فعلى هذا من ينتقل من عذاب النار إلى الجنة ، لا يكون عذابه مهيناً ، قال المؤرخ : * ( فَبَاءُو ) * استوجبوا اللعنة - بلغة جرهم - ولا يقال باء مفردة حتى يقول بكذا وكذا امّا بخير وامّا بشر ، قال أبو عبيدة : * ( فَبَاءُو بِغَضَبٍ ) * احتملوه وأقرّوا به ، وأصل البواء التقرير والاستقرار ، قال الشاعر :
أصالحكم حتى تبوءوا بمثلها * كصرخة حبلى يسرتها قبولها [1]
