أنّ الكافر قد يكون عالماً ببعض الأشياء التي أوجبها الله تعالى بخلاف ما يذهب إليه أصحاب الموافاة ، وأنّ من عرف الله فلا يجوز أن يكفر .
وانّ المعتمد على ذلك أن نقول : لا يمتنع أن يكونوا قد عرفوا الله وكثيراً ممّا وجب عليهم ، لكن لم يكن وقع نظرهم على وجه يستحقون به الثواب ، لأنّ ذلك هو الممنوع منه .
وقد بيّنا أيضاً صفة من يتعلّق بذلك من أصحاب الضرورات ، لأنّ غاية ما في ذلك أنّ القوم كانوا عارفين فجحدوا ما عرفوا ، وليس يمتنع أن يكونوا عارفين استدلالاً ثم جحدوا ، فالضرورة لم يجر لها ذكر .
قوله تعالى : * ( بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ولِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ ) * آية ( 90 ) .
ومعنى قوله : * ( اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ) * أي باعوا به أنفسهم - على وزن افتعلوا - من الشراء وسمّي البائع الشاري بهذا ، لأنّه باع نفسه ودنياه عنده ، وأكثر الكلام شريت بمعنى بعت ، واشتريت بمعنى ابتعت ، قال الشاعر يزيد بن مفرغ الحميري :
وشريت بُرداً ليتني * من قبل بردٍ كنت هامة [1] ومعنى قوله : * ( وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ) * باعوه ، وربما استعملت اشتريت بمعنى بعت ، وشريت بمعنى ابتعت ، والأكثر ما قلناه .
