العين إذا كانت في غطاء لم ينفذ شعاعها فلا يقع بها إدراك ، فكأنّ شدّة عنادهم يحملهم على رفع المعلومات ، واللعن هو الاقصاء والابعاد يقال : لعن الله فلاناً يلعنه لعناً فهو ملعون ، ثم يصرف مفعول إلى فعيل ، فيقال : هو لعين ، كما قال الشماخ بن ضرار :
دعوت به القطا ونفيت عنه * * مقام الذئب كالرجل اللعين [1] أي المبعد .
فصار معنى الآية قالت اليهود : * ( قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ) * محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقال الله : ليس ذلك كما زعموا ولكنه تعالى أقصاهم وأبعدهم عن رحمته وطردهم عنها ، لجحودهم به وبرسله .
وقوله تعالى : * ( قَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ ) * .
قال قتادة : قليلاً منهم من يؤمن ، وقال قوم : * ( قَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ ) * أي لا يؤمنون إلاّ بقليل ممّا في أيديهم .
والّذي نقوله أنّ معنى الآية أنّ هؤلاء الذين وصفهم الله تعالى قليلوا الإيمان بما أنزله الله تعالى على نبيّه محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولذلك نصب قوله : * ( قَلِيلاً ) * لأنّه نصب على نعت المصدر المتروك ، وتقديره لعنهم الله بكفرهم ، فإيماناً قليلاً يؤمنون .
ولو كان الأمر على ما قال قتادة ، لكان القليل مرفوعاً ، وكان تقديره فقليل إيمانهم ، وقال قوم من أهل العربية : انّ ما زائدة لا معنى لها ، كقوله : * ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ) * [2] وتقدير الكلام قليلاً يؤمنون ، وأنشد بيت مهلهل :
