وقوله : * ( فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) * فالخزي الذل والصغار ، يقال : خزي الرجل يخزى خزياً * ( فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) * يعني في عاجل الدنيا قبل الآخرة .
ثم اختلفوا في الخزي الّذي خزاهم الله بما سلف منهم من المعصية ، فقال بعضهم : ذلك حكم الله الّذي أنزله على نبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أخذ القاتل بما قتل ، والقود به قصاصاً ، والانتقام من الظالم للمظلوم .
وقال آخر : بل ذلك هو الجزية منهم - ما أقاموا على دينهم - ذلّة لهم وصغاراً ، وقال آخرون : الخزي الّذي خزوا به في الدنيا إخراج رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بني النضير من ديارهم لأول الحشر .
وقيل : مقاتلة بني قريظة وسبي ذراريهم ، وكان ذلك خزياً في الدنيا ، وفي الآخرة عذاب عظيم ، ومعنى قوله : * ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ ) * أي أسوء العذاب ، يعني بعد الخزي الّذي يحلّ بهم في الدنيا يردّهم الله إلى أشدّ العذاب - الّذي أعدّه الله لأعدائه - .
وقال بعضهم : يردّهم يوم القيامة إلى أشدّ العذاب ، يعني أشدّ من عذاب الدنيا ، والأوّل أقوى : أنّه من أشد العذاب يعني أشد جنس العذاب ، وذلك يقتضي العموم ولا يخص إلاّ بدليل .
وقوله : * ( وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) * منهم من قرأ بالياء ، ردّه إلى من أخبر عنهم ، ومن قرأ بالتاء ، ردّه إلى المواجهين بالخطاب ، والياء أقوى ، لقوله : * ( فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ ) * .
وقوله : * ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ ) * فالرد إلى هذا أقرب من قوله : * ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ ) * فاتباع الأقرب أولى من إلحاقه بالأول ، والكلّ حسن ، والمعنى
