قفي فادي أسيرك إنّ قومي * وقومك ما أرى لهم اجتماعا وكان هذا محرماً عليهم - وإن كان مباحاً لنا - فذكر الله تعالى توبيخاً لهم في فعل ما حرّم عليهم .
وقال آخرون : إنّه افتداء الأسير منهم إذا أسره أعداؤهم ، وهذا مدح لهم ذكره من بعد ذمهم أنّهم خالفوه في سفك الدماء ، وتابعوه في افتداء .
واختلفوا فيمن عنى بهذه الآية ، فروى عكرمة عن ابن عباس أنّه قال : * ( ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ ) * إلى قوله : * ( وَالْعُدْوَانِ ) * أي أهل الشرك ، حتى يسفكوا دماءهم معهم ، ويخرجوهم من ديارهم معهم قال : أنبأهم الله بذلك من فعلهم ، وقد حرّم عليهم في التوراة سفك دمائهم ، وافترض عليهم فيها فداء أسراهم ، وكانوا فريقين : طائفة منهم بنو قينقاع وأنّهم حلفاء الخزرج ، وحلفاء النضير وقريظة ، وأنّهم حلفاء الأوس ، وكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج ، وخرجت بنو النضير وقريظة مع الأوس ، يظاهر كلّ فريق حلفاءه على إخوانه ، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم وبأيديهم التوراة ، يعرفون منها ما عليهم ولهم .
والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان ولا يعرفون جنة ولا ناراً ، ولا قيامة ولا كتاباً ، ولا حلالاً ولا حراماً ، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم تصديقاً لما في التوراة ، وأخذاً به يفتدي بنو قينقاع من كان من أسراهم في أيدي الأوس ، ويفتدي بنو النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج ، ويطلبون ما أصابوا من الدماء ، وما قتلوا من قتلوا منهم ، فيما بينهم مظاهرة لأهل الشرك عليهم .
