وقوله : * ( وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ) * يحتمل أمرين :
أحدهما : وأنتم تشهدون على أنفسكم بالإقرار .
والثاني : وأنتم تحضرون دماءكم ، وتخرجون أنفسكم من دياركم .
وحكي عن ابن عباس أنّه قال : ذلك خطاب من الله تعالى لليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجري رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أيّام هجرته إليهم موبّخاً لهم على تضييعهم أحكام ما في أيديهم من التوراة التي كانوا يقرّون بحكمها ، فقال الله تعالى لهم : * ( ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ ) * يعني بذلك أقرّ أولكم وسلفكم وأنتم تشهدون على اقرارهم ، بأخذ الميثاق عليهم بأن لا يسفكوا دماءهم ، ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم ، ويصدّقوا بأنّ ذلك حقّ من ميثاقي عليكم .
وقال أبو العالية : ذلك خبر من الله عن أوائلهم ، ولكنه أخرج الخبر مخرج المخاطبة عنهم على النحو الّذي وصفناه في سائر الآيات * ( وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ) * أي وأنتم شهود .
قوله تعالى : * ( ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإثمِ والْعُدْوانِ وإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ ومَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) * آية بلا خلاف ( 85 ) .
