وفيه قول ثالث : هو أنّ قوله : * ( أَنفُسَكُمْ ) * أراد به اخوانكم ، لأنّهم كنفس واحدة .
وقوله : * ( ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ) * أي أقررتم بذلك أيضاً ، وبذلتموه من أنفسكم ، وأنتم شاهدون على من تقدّمكم بأخذنا منهم الميثاق ، وما بذلوه من أنفسهم ، فذكر تعالى إقراهم وشهادتهم ، لأنّ أخذ الميثاق كان على أسلافهم - وإن كان لازماً للجميع ، لتوكيد الحجة عليهم - .
وقال بعض المفسّرين : نزلت هذه الآية في بني قريظة والنضير ، يقول : حرّم الله في الكتاب أن تسفكوا دماءكم ، أي لا تقتتلوا فيقتل بعضكم بعضاً [1] ، ولا تتركوا أسيراً في يد الآسرين ليقتلوه * ( وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ) * معناه لا تغلبوا أحداً على داره فتخرجوه ، فقبلتم ذلك وأقررتم به ، وهو أخذ الميثاق * ( وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ) * بذلك .
وأمّا النفس فمأخوذة من النفاسة وهي الجلالة ، فنفس الإنسان أنفس ما فيه ، والدار هي المنزل الّذي فيه أبنية المقام ، بخلاف [2] منزل الارتحال .
وقال الخليل : كلّ موضع حلّ فيه قوم فهو دار لهم وإن لم يكن فيه أبنية .
وقيل أيضاً : إنّ معنى قوله : * ( ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ) * انّ إقرارهم هو الرضاء به ، والصبر عليه كما قال الشاعر :
ألست كليبياً إذا سيم خطة * أقرّ كاقرار الحليلة للبعل [3]
