وروي عن ابن عباس أنّه قال : ظلّل عليهم الغمام في التيه وأنزل عليهم المنّ والسلوى ، وجعل لهم ثياباً لا تبلى ولا تتسخ وجعل بين ظهرانيهم حجر مربع ، وروي أنّه كان مثل شكل الرأس ، وأمر موسى فضرب بعصاه الحجر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً في كلّ ناحية منه ثلاثة عيون ، ولا يرتحلون مرحلة إلاّ وجدوا ذلك الحجر بينهم في ذلك المكان الّذي كان بينهم في المنزل الأوّل ، وقيل : إنّهم كانوا ينقلونه معهم في الجوالق إذا احتاجوا إلى الماء ، ضربه موسى بالعصى فيه ففجر منه الماء ، وقال قوم : بأنّه أمر بأن يضرب أيّ حجر شاء لا حجراً بعينه ، والأوّل أظهر لأنّ فيه لام التعريف .
وقوله : * ( كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ ) * .
يعني من النعم التي عدّدها عليهم من المنّ والسلوى وغير ذلك .
وقوله : * ( وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) * .
أي لا تطغوا ولا تسعوا في الأرض فساداً ، وأصل العثا : شدة الفساد ، يقال منه : عثا فلان في الأرض إلى عاثية يعثأ ، والجماعة يعثون ، وفيه لغتان أخريتان :
أحدهما يعثو عثواً ، ومن قرأ بهذه اللغة ينبغي أن يضم الثاء ، ولم يقرأ به أحد ، واللغة الأولى : لغة أهل الحجاز ، وقال بنو تميم : عاث يعيث عيثاً وعيوثاً وعيثاناً ، بمعنى واحد ، قال رؤبة بن العجاج :
عاث فينا مستحل عائث * مصدقٌ أو تاجر مقاعث [1] يعني بقوله : عاث فينا أفسد فينا ، وقيل : يعثو أصله العيث ، فقدّموا بعض الحروف ، وأخّروا بعضها ، يقال : عثا يعثو ، وعاث يعيث وهو الفساد ، قال ابن أذينة
