وقيل أيضاً : الذين يظنون انقضاء أجلهم وسرعة موتهم فيكونون أبداً على حذر ووجل ، كما يقال لمن مات : لقي الله .
والظن والشك والتجويز نظائر ، إلاّ أنّ الظن فيه قوة على أحد الأمرين دون الآخر ، وحدّه ما قوي عند الظان كون المظنون على ما ظنّه مع تجويزه أن يكون خلافه ، فبالتجويز ينفصل من العلم ، وبالقوة ينفصل من الشك والتقليد وغير ذلك ، وضد الظن اليقين ، ويقال : ظن ظناً وتظنّن تظنّناً ، وقال : * ( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ ) * [1] وقوله : * ( وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ ) * [2] والظنين المتهم ، ومصدره الظنة ، والظنون الرجل السيء الظن بكلّ أحد ، والظنون القليل الخير .
ومعنى قوله : * ( أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ ) * أي ملاقوا جزاء ربّهم ، فجعل ملاقاة الجزاء ملاقاة له تفخيماً وتعظيماً لشأن الجزاء ، وأصل الملاقاة الملاصقة ، من قولك : التقى الحدان أي تلاصقا ، ثم كثر حتى قالوا التقى الفارسان إذا تحاذيا ولم يتلاصقا ، ومثل ما قلنا في قوله : * ( مُلاقُو رَبِّهِمْ ) * قوله تعالى : * ( فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْم يَلْقَوْنَهُ ) * [3] معناه يوم يلقون جزاءه ، لأنّ المنافقين لا يرون الله عند أحد من أهل الصلاة ، وكذلك قوله : * ( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) * [4] معناه إذ وقفوا على جزاء ربّهم ، لأنّ الكفار لا يرون الله عند أحد من الأمة .
فإن قيل : ما معنى الرجوع هاهنا وهم ما كانوا قط في الآخرة فيعودوا إليها ؟ قيل : راجعون بالإعادة في الآخرة - في قول أبي العالية - وقيل : يرجعون
